-A +A
طارق فدعق
يطلق هذا الاسم على الكائنات التي تسبب الخوف بسبب قسوتها، وتوحشها، وقدرتها على الأذية. مفهوم البعبع الحقيقي البعيد عن الخيال ينحصر في كائنات مخيفة ترعبنا صغاراً وكباراً، ولكن في الغالب أن تلك المخاوف ليست واقعية: نخاف من الذئاب (أقل من 50 قتيلاً سنوياً) وأسماك القرش الفتاكة (أقل من 100 ضحية سنوياً) والأسود والنمور (أقل من 200 مرمشة سنوياً). والكلام من الآخر: من يستحق نيل لقب البعبع الأكبر؟ الناموسة طبعاً... ودون أي منازع. عدد ضحايا البشر السنوي يفوق المليونين... وعدد القتلى بسببها يصل إلى حوالى 100 إنسان في الساعة الواحدة. ويقدر إجمالي عدد ضحاياها عبر التاريخ بأكثر من 40 مليار إنسان.

وللمعلومية، فالأنثى هي الشريرة المسببة للأذى. الذكر مثل العديد من ذكور الكائنات: إما غلبان أو «ملقوف». واهتماماته الأساسية تنصب في الغذاء، والتكاثر، واللسلسة، والاسترخاء. وأما الأنثى فهي تؤدي العديد من المهام وأهمها الحرص على تغذية صغارها بوجبات دسمة مركزة، وأهمها الدم. وتتقن الحصول على تلك الوجبات من ضحاياها من بشر وكائنات أخرى من خلال قدرات الاستشعار المتطورة للغاية، والطيران المتقن، والهبوط الناعم جداً على أسطح الضحايا، والتغذية على دمائهم. وتتمتع بمنظومة مص دماء رهيبة. وتحديداً، عند هبوطها تبدأ بالتقطيع للسطح باستخدام منظومة مناشير حادة ودقيقة، ثم تبصق على ضحيتها بهدف تخدير... ولنتوقف هنا للتأمل في هذه النقطة، فلا يكفيها نشر الأمراض والقتل، فهي تبصق علينا أيضاً، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وهي تنقل الأمراض من خلال كل هذا. وبعدما تمص كمية هائلة من الدم تصل إلى ما يعادل 3 أمثال وزنها، تقلع بكل رشاقة. وللمعلومية فلا توجد طائرة لديها القدرة على منافسة هذا الأداء الخارق. حمولة الطائرات عبر التاريخ لا تتعدى حوالى 30% من إجمالي وزنها. أي ما يعادل 10% فقط من قدرات حمولة هذه الحشرة العجيبة. وقدرات الطائرات على المناورات مهما كانت متقدمة، فهي محدودة عندما تطير بأقصى حمولتها، وأما الناموسة فلديها قدرات أكبر على المناورة بكامل حمولتها. و«طنين» البعوضة المميز يصدر بسبب رفرفة أجنحتها الأربعة والتي تصل إلى 60 مرة في الثانية الواحدة، بلا ملل أو كلل. وإحدى غرائب هذه المخلوقات هي أنها غيرت تاريخ العالم بأكمله. وكمثال، لننظر إلى القدس الغالية. عندما بدأت الحملات الصليبية عام 1099 كانت إحدى المفاجآت لحشود الأوروبيين الذين زحفوا جنوباً نحو القدس هو هجوم الناموس عليهم في المناطق الدافئة نسبياً. طبعاً لم يكن البعوض مستوطناً للمناطق الباردة في شمال أوروبا، ولكن تلك الحشرات كانت تعشق المعيشة في الأراضي الزراعية الرطبة الدافئة نسبياً. وبالذات في جنوب أوروبا بدءاً من الأراضي الإيطالية. وكان بعبع البعوضة ناشراً للأوبئة القاتلة بطرق لم يتخيلها الصليبيون فكانت إضافة للمقاومة التي واجهت الحملات الصليبية. وللعلم فعدد الحملات الصليبية وصل إلى 9 مؤامرات على مدى حوالى 300 سنة. وطبعاً في تلك الأيام، لم تكن معلومة ربط الأمراض بالناموسة واضحة. وكان الاعتقاد أن الأوبئة كانت بسبب الهواء الفاسد، وبالمناسبة فكلمة «ملاريا» مكونة من جزءين باللغة الإيطالية «مال» بمعنى «سيئ» و«أريا» بمعنى «هواء».


أمنية:

في حصر مكانة البعبع الأول، قد يبدو أنني أغفلت ذكر الإنسان وظلمه لأخيه. ولكنه دخل في الحسبة: تخيل أن جميع أعداد القتلى خلال الأعوام الماضية بسبب النزاعات البشرية والذي يقدر بأكثر من 1000 قتيل يومياً لا يصل إلى نصف ما سببته الناموسة. أتمنى أن يكتب لنا الله النصر عليها،

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي