-A +A
طارق فدعق
عنوان المقال يرمز إلى ذكر الهرة، ولكنه في الواقع أكثر من ذلك بكثير، فهذا الكائن لديه سلوكيات عجيبة فيها الكثير من «الهيامة»... يعني شوفة الحال. وعموماً فهو يتخصص في التخريب، والغلاسة، ونشر الفوضى، والأهم من كل هذا، يتخصص في نشر سلالته. وتسمعه عادة في الساعات المتأخرة من الليل يصدر أغرب الأصوات بسبب ودون سبب... وعادة يصدر أصواته العجيبة من داخل حاويات النفايات لتحدث الصدى، وتسبب أكبر كمية من الإزعاج. وهو يجسد التطبيق الدقيق لمفهوم «السلتحة»، بل ويمارس الشحاذة بكبرياء بهدف المحافظة على «مكانته» بين الهرر، وبالذات الإناث طبعاً. وسنعود إلى العراري بعد 229 كلمة من هذه النقطة.

يمثل التصنت أحد أهم التحديات الأساسية التي تواجه عالم الاستخبارات شاملاً تهديدات الأمن والسلامة، والمؤامرات الداكنة، ومكافحة أنشطة الجواسيس، والخطط الخبيثة بمختلف مستوياتها، سواء كانت موجهة إلى الدول الكبيرة أو الصغيرة. وفي التاريخ الحديث للتصنت بدءاً من منتصف القرن العشرين، كانت تقنيات الميكروفونات والإرسال السلكي واللاسلكي تعاني دائماً من افتقاد الدقة. فضلاً لاحظ أن وضع الميكروفونات في مكان ما لا يكفل بأن يوصل الصوت إلى الجهة المعنية بوضوح بسبب بيئته الصوتية. وفي الخمسينات الميلادية لجأ العلماء في «مكتب التقنية والتطوير» في وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى محاولة تصنيع جهاز يترجم الموجات الصوتية إلى طاقة كهربائية ليتم نقلها إلى الجهة المستقبلة. وسبحان الله أن هذه هي التقنية التي أنعم الله علينا بها في قوقعة الأذن الداخلية. هذا الجزء الرائع في المنظومة السمعية أقصر طولاً من آخر كلمة في هذا السطر. وهو يشبه القوقعة في لفاته حول نفسه، ويترجم الموجات بمصداقية إعجازية إلى إشارات كهربائية تصل إلى خلايانا العصبية لننعم بحاسة السمع الجميلة. وفي مكتب التقنية المذكور، جاء أحد العلماء بفكرة إبداعية: بدلاً من محاولة تصنيع القوقعة السمعية المعقدة جداً، لماذا لا يستفاد من تلك الموجودة في أحد الكائنات الحية للتصنت، واستغلال الكائن بأكمله لنقل المحادثات. وبدأت الفكرة تتمخض بتركيب جهاز إرسال بداخل الجهاز السمعي للكائن الحي ليقوم بإرسال المحادثات الصوتية لا سلكياً إلى الجهة المعنية. ودُرست مجموعة من الكائنات لتأدية الدور ومنها أعزكم الله الكلاب، والحمير، والفئران، وبعض أنواع الطيور. ووجد العلماء أن الهرة هي الأفضل لقدرتها على الحركة دون عوائق في أصعب الأماكن... يعني لا مؤاخذة «بسس» دبابيس. تم تثبيت جهاز الإرسال اللاسلكي الصغير جراحياً في الجزء الأسفل من دماغ البس الأول، والله أعلم يمكن اسمه كان «عري بوند» أو «العميل مياو 007»... وبعدها زرعوا جهاز الإرسال جراحياً تحت جلده، وقام العلماء بتركيب هوائي بطول جسمه لنقل الإشارات الصوتية. وكانت النتائج مذهلة من الناحية الفنية، فكان العري ينقل الإشارات الصوتية من أي مكان إلى مقر التصنت بوضوح. والحكاية لها نهاية محزنة، فبعد كل التعب والعمليات و«الهيصة» اندهس العري. كان يعبر الشارع باستهتار ودعسته سيارة فأصبح من أغرب ضحايا التجسس. وبعدها مباشرة توفي «العميل» العري الثاني، وهرب الثالث حسب روايات وكالة الاستخبارات الأمريكية، فتم إغلاق البرنامج... طبعاً هذه الرواية الرسمية من تلك الوكالة والله أعلم إن كان البرنامج لا يزال مفعلاً للكائنات المختلفة.


أمنيــــة:

الاستخدامات العسكرية والجاسوسية للكائنات المختلفة موجودة منذ القدم بطرق ووسائل مختلفة، وتشمل الحمام الزاجل لنقل الرسائل، والدلافين لمقاومة الزوارق الحربية، والعراري للتجسس، وغيرها. أتمنى أن يمنحنا الله الحكمة لاستغلال الكائنات لعمل الخير دائماً، وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي