-A +A
عبده خال
في زمن سابق كانت العين تغض الطرف عن جودة التجارب النسائية وتمرير المحاولات عن طيب خاطر، حتى ولو كان العمل الفني أو المهني في الحد الأدنى من الجودة، ويعود السبب إلى التضييق الاجتماعي، وعدم تمكين المرأة من التدرج في جميع المجالات لاكتساب الخبرة والتجويد؛ لذا كان غض الطرف حاضرا، وهذه الملاحظة ليست عامة، إذ كانت هناك تجارب ومواهب نسائية متقدمة -ربما تفوق الرجل الذي يكون في مستواها، ومن المناشط التي سابقت فيها المرأة كانت الجوانب الإبداعية، ومع التجاوز عن ضعف المادة الإبداعية كانت تنشر القصائد والقصص والمقالات مع تواضع التجربة، فتكاثرت الأقلام النسائية، واكتسب البعض منهن ألقابا كالشاعرة والقاصة والناقدة، وللأمانة كانت هناك كتابات إبداعية متقدمة إلا أنها كانت نادرة، ومن هذه الندرة بقين كاتبات نفخر بتجاربهن، أما اللاتي كتبتن (من أجل تمشية الحال) فقد توقفن غير مأسوف عليهن.

وأجد الآن أن (غض الطرف) عن التجارب الإبداعية يعود من خلال التجارب السينمائية، فكثير مما شاهدت من تجارب سينمائية ما زالت تحبو وكأنها بحاجة إلى (تاتا خطي العتبة)، وأعتقد أن على المنشغلين في الجانب السينمائي أن يتقدموا خطوات حثيثة نحو الفيلم الجاد والحقيقي، وأن لا يمكثوا في خانة (غض الطرف).. قد سبق وحكمت عدة مهرجانات سينمائية وكانت الأفلام المشاركة دون المستوى في أغلبها الأعم، وفِي آخر تحكيم كانت الملاحظات أن الشباب المشارك بأفلام تنقصها فكرة الصناعة القائمة على روح الفريق، فجل الأعمال المشاركة بها عجز في عدة نقاط كالإخراج والسيناريو والتصوير، وكان المدهش فيها أن بعض الأفلام أخذها المخرج (كمبليت) فيكون المخرج والسينارست والممثل، وأحيانا المصور، وهذا لا يمكن أن يؤدي إلى ظهور أفلام مصنوعة، إذا اعتبرنا أن السينما صناعة تتضافر بها عدة عناصر تحقق النجاح.


وربما أجدني معرجا على تجربة المخرجة الأستاذة هيفاء المنصور في فيلمها «وجدة» الذي حظى بتعاطف دولي لأسباب جوهرها الدفع بالتجربة السينمائية للأمام في محيط يحرم هذا الفن.. وأعتقد أن ما نعيشه الآن من انفتاح اجتماعي أسقط كثيرا من الموضوعات التي كانت الدراما تحوم حولها أو بها، وكان من الأولى التنبه لهذه الحالة الاجتماعية، فالفيلم الثاني للأستاذة هيفاء دارت حبكته الدرامية في جزئية عبرها الواقع الاجتماعي ولم يكن موضوع فيلم (المرشحة المثالية) ذا تشويق أو جذب..

ولأن هذا الفيلم قامت هيفاء بكتابة السيناريو على قصة اجتماعية لم يعد لها وجود في الوقت الراهن، وأعتقد أن عادية الفيلم (المرشحة المثالية) لن يكون له حضور في مهرجان فينيسيا لنفس السبب، بمعنى أن التعاطف الدولي مع السينما السعودية لم يعد حاضرا كون البلد قفزت قفزة متقدمة، وفتحت ذراعيها للفنون ترحيبا ودعما، وهذا يستلزم اتساع الرؤية عند صناع السينما، وأن يتنبهوا إلى أن العمل ما هو إلا فريق يعطي الخبز لخبازه..

الفنون الأخرى قد يكون صناعها المبدع الواحد إلا أن السينما صناعها كثر.