-A +A
طارق فدعق
سأبدأ الكلام من الأخير، وبالمختصر المفيد: أعتقد أن الوطن بحاجة إلى متحف طيران مدني. وللإيضاح، فلدينا والحمد لله أحد أفضل متاحف الطيران العسكري في العالم وهو متحف «صقر الجزيرة» في الرياض. ويحتوي على بعض من أهم الطائرات التي ساهمت في حماية أجواء الوطن خلال المئة السنة الماضية. ولكل من يزور المتحف سيشعر بالفخر والاعتزاز لما سيشهد من تطورات تاريخية منذ أن كانت القوات الجوية تعتمد على الطائرات المروحية، إلى المقاتلات النفاثة بأجيالها المختلفة: من الجيل الثاني وطائرة «إف 86 سيبر»، مروراً بالجيل الثالث من طراز «اللايتننج» الجبارة، إلى الجيل الرابع وطائرات «إف 15» و«التايفون» الأكثر تفوقاً. والعامل المشترك والأهم من جميع الطائرات في المتحف هو القيمة التي أضافها منسوبو القوات المسلحة الذين أعطوا أغلى العطاء عبر السنين... من طيارين، وفنيين، وإداريين، وفرق دعم مختلفة. وبالرغم من المستوى الراقي جداً الذي يتمتع به متحف «صقر الجزيرة» من حيث المحتوى والقيمة المضافة لثقافة الطيران، إلا أن هناك حاجة للمزيد من المتاحف، وبالذات في مجالي الطيران المدني والفضاء. وإليكم بعض أهم المبررات: دخلت المملكة مجال الطيران المدني منذ حوالى 80 سنة بعدما حصلت على الدعم المباشر السخي من القيادة العليا التي حرصت على ربط الوطن مكانياً بأمان، وسلامة، وفعالية. ولم يقتصر دعم القيادة على توفير الطائرات فحسب، بل شمل تدريب الكوادر البشرية الوطنية لتصل إلى أعلى المستويات في جميع تقنيات الطيران من صيانة، واتصالات، وتنسيق، وإدارة، وخدمات جوية، وبناء وتشغيل مطارات. وأصبح قطاع الطيران هو أكبر بوابة تقنية حديثة في الوطن، سابق وسبق جميع المجالات الأخرى وانعكس ذلك في الحركة الجوية الآمنة الفعالة، وانعكس أيضاً في مجموعات من المبادرات الجوية التي حققت الريادة على مستوى المنطقة: أول طائرات تجارية من طراز (داكوتا) و(بريستول)، وأول طائرة ذات حمولة عالية (السكاي ماستر)، وأول طائرات مكيفة الضغط (الكونفير)، وأول طائرات نفاثة لخدمة المطارات الداخلية (دي سي 9)، وأول طائرات نفاثة طويلة المدى (بوينج 720 و707)، وأول طائرات حديثة عريضة البدن (ترايستار)، وأكبر أسطول للطائرات العملاقة من طراز بوينج 747 (جامبو)، وأكثرها تنوعا في العالم. وتحديدا فكان يشمل البوينج 747 من طراز 100 و200 و300 و400 و«إس بي» و«داش 8». وكانت السعودية الرائدة أيضاً في تشغيل البوينج 777 على مستوى المنطقة. وحققت مجموعة إنجازات متميزة في تحقيق الرحلات الطويلة جداً دون توقف وأبرزها كانت إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك ما هو أكثر وأهم من هذا، فمعظم الطيارين والفنيين كانوا من أبناء الوطن، وحصلوا على أعلى المؤهلات من الولايات المتحدة... وهناك المزيد: فمنذ 34 سنة قامت المملكة بمبادرة جريئة وهي دخول عالم استكشاف الفضاء. صعد الأمير سلطان بن سلمان إلى الفضاء الخارجي في رحلة المكوك الفضائي رقم STS 51G على متن المركبة «ديسكوفري» وكان أول مسلم، وأول عربي في الفضاء. وكان أول من تشرف بتلاوة القرآن، والصلاة في الفضاء. وبعد عودته تم تكوين إدارة للفضاء في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. ونجحت في تصنيع أقمار صناعية سعودية أطلق 16 منها إلى الفضاء الخارجي بنجاح، لتدور حول كوكبنا وتؤدي مهامها المختلفة من اتصالات، وتصوير، وملاحة، وتجارب علمية متقدمة، وغيرها. ولدينا الآن هيئة للفضاء على مستوى عالٍ.

أمنيـــــــة:


جميع هذه الإنجازات لا تكفي لأن تسجل في مقال كهذا، أو في ذاكرة بعض المختصين، فهي بحاجة لأن تكون أحد المكونات الحضارية للوطن في مجموعة متاحف للطيران ليستفيد، ويستمتع، ويفخر بها الكبار والصغار. أتمنى أن نشهد أولها في جدة لأنها كانت ولا تزال «دهليز» الطيران المدني الأساس للوطن بأكمله بدعم القيادة، وبتوفيق الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي