-A +A
محمد مفتي
شهدت بعض مناطق المملكة مؤخراً موجات متعاقبة من الأمطار الغزيرة، وهو ليس بالأمر الجديد ولا المفاجئ، فهي تشهد تلك الأمطار في نفس الوقت من كل عام تقريباً، وتُخلف تلك الأمطار مشاعر سلبية متباينة لدى الكثير من المواطنين؛ حيث تتسبب الأمطار الغزيرة في غرق بعض الطرقات والشوارع (بل والمنازل أيضاً) وهو ما يتسبب في شل الحركة المرورية في تلك الشوارع بدرجة كبيرة، وقد تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو المصورة التي رصدت هذه الظاهرة، في تكرار موسمي لهذا الحدث السنوي، والذي يصعب جداً إلقاء المسؤولية فيه على طرف دون طرف آخر؛ فقد يعتقد البعض سهولة حل المشكلة ويطالب المسؤولين بالتخلص من مياه الأمطار وسرعة تجفيف الشوارع، دون النظر للكثير من الاعتبارات، والتي من أهمها أن مشكلة غرق الشوارع بسبب مياه الأمطار الغزيرة مشكلة قديمة للغاية، وتعود بالأساس لمرحلة التخطيط العمراني لهذه المدن التي لم تهتم كثيراً بمعالجة تلك المشكلة، ولم تقم بدمج الحلول المتعلقة بها خلال مرحلة تخطيط وبناء تلك المدن، وقد نبع عدم الاهتمام بعلاج تلك المشكلة من أن المملكة لا تشهد هطولاً مستمراً للأمطار على مدار العام.

أتابع بعض الأحيان من خلال بعض برامج Webcam -التي تقوم بنقل حي ومباشر- معالم بعض المدن الغربية مثل لندن ونيويورك وغيرهما؛ حيث يتم عرض مظاهر جمال تلك المدن من خلال كاميرات تقوم بالعمل على مدار الساعة، وبشكل شخصي أشعر باستمتاع شديد عندما أشاهد الأمطار وهي تتساقط بتلك المدن وتكسوها بالخضرة الدائمة طوال العام، وخلال متابعتي لتلك البرامج لم ألحظ يوماً ما على الإطلاق وجود أي أزمات تتعلق بتصريف مياه تلك الأمطار، بل لم ألحظ من الأساس وجود تجمعات لتلك الأمطار بأي صورة من الصور، وهو ما دعاني للتفكير فيما إن تغير المناخ العالمي وبدأت المملكة في تلقي دفعات متتابعة من المطر الغزير المنهمر، ترى ماذا سيحدث حينها؟


تتركز غالبية الحلول المتاحة حالياً في التخلص من مياه الأمطار ودفعها بعيداً عن الطرق والشوارع، وكذلك إنقاذ العالقين في تلك المياه سواء في الطرقات أو المنازل، من خلال بعض أجهزة الدولة المختلفة مثل أمانات المدن والبلديات الفرعية والدفاع المدني، غير أن تلك الحلول المؤقتة المرهونة بحالات الطوارئ غير مجدية في حقيقة الأمر؛ فمن جهة يؤثر تجمع المياه في بعض الطرق دون معالجتها فورياً على إتلاف تلك الطرق ذاتها (الأسفلت) مما يتطلب إعادة صيانتها مرة أخرى من جديد، وهو ما يضاعف التكلفة بشكل سنوي، ومن جهة أخرى فإن ذلك يعني عدم حل المشكلة من جذورها، بل يضع مستقبل تلك المدن والقرى المتضررة من تلك السيول في مهب الريح، عرضة للغرق والشلل شبه التام.

لاشك أن حل هذه المشكلة يتطلب حلولاً إبداعية مبتكرة، حلولاً جذرية ترتبط بعمليات التخطيط والرقابة والإشراف، ولابد أن تعالَج المشكلة من جذورها، وأن تتسم الحلول بالمنظور الإستراتيجي بعيد المدى، وأن تراعي عملية التناسب بين معدلات هطول الأمطار وبين البنى التحتية للمدن المتضررة، كما تراعي التوقيت الملائم لتنفيذها، وذلك بعد دراسة مستفيضة لظاهرة السيول وللمناطق التي تقع تحت طائلتها، وللبنى التحتية والفوقية لها، ولطبيعة الطرق التي تربط بينها وبين المناطق المتاخمة والمجاورة لها، ولمدى تأثير ذلك على الأنشطة الاقتصادية القائمة بها، لأنه لا يمكن لدولة بمكانة وثقل المملكة أن تتعرض لهذا النوع من المشكلات التي لا تتناسب مع مسيرتها الحضارية ووزنها الاقتصادي، ولا تتفق مع خطتها الطموح ولا مع أهدافها الإستراتيجية، ولاسيما أنها أزمة سنوية متكررة كل عام بنفس تفاصيلها وتداعياتها ومخرجاتها السلبية.

* كاتب سعودي

mohammed@dr-mufti.com