اجتمع الفقيه بالموامين، ووشّى فتيل غيرتهم على حماهم، وأقسم أنه شوف عينه، ووقف قدمه؛ نسوان القرايا؛ خارجين من غابتهم، اللي على ظهرها قِرتها حطب، واللي قفتها فايضة بالخُليان، واللي بيدها فيد وصيد، وأضاف؛ كلّن يدعر فيها بغنمه؛ مع الحواشي والأطراف؛ اللي بحافر واللي بالأظلاف؛ ولا من درى ولا من شاف؛ لا مراعاة جيرة ولا احترام عادات وأعراف؛ وتعمّد ينقد العريفة، باستعادة تاريخ الفانين من الأسلاف، ليقينه أن الكلام بيسري، وينصبّ في إذن عريفتهم وفوقه كماه؛ فرفع حسّه؛ ما ظني نسيتم؛ يوم كانت غابتنا مغصّنه محصّنه؛ يغيب فيها الجمل بحمله؛ وما حد يجرا يلتقط منها خلالة سنون، لنّها كانت هيبتها من هيبة أهلها؛ وفي أيامنا التوالي ما عاد لها والي؛ غدت زهب نهب؛ ومرعى ومقعى للي يسوى واللي ما يسوى، ولكيّ يقدح زناد الحميّة؛ زاد؛ وترى اللي ما يجكر ما يُذكر، والغِرَقة ما تبالي بالرُشاش.

ما انفضّ مجلسهم، إلا وهروجهم مصرورة عند كبيرهم، وتعمّد المذّن يواحن القلوب، ويزيد فوق المدّ جِلده، فلمّح للعريفة، بتطاول الفقيه بغمز ولمز وقدح في نخوة وشهامة شيخهم ولكي يبدي تعاطفه؛ قال؛ الله لا يجعله يزيد عن حدّه ولد أبو غُدّه، وكعادة العريفة في الدهاء وسِعة الصدر، وإدراكه أن النمامين حريصون على شبوب الفتنة؛ خِذْ من كُلّ واحد، قوله ومنقوله، قال ها والسّلام؛ ردّوا الموامين؛ والسّلام، فقال كلام رفيقنا الفقيه في مصبّه، وامتدحه بقوله؛ فقيهنا شوفه شوف بعير، ما هو كما اللي شوفه شوف دجاجة ما يتعدى كراعينها؛ وطلب منهم ما تغرب شمس الخميس، إلا وقد انتقوا؛ حارس، ينهاب ولا ينعاب؛ يسبرها بالنهار ويكلاها بالليل، وقام الرفاقه يتلفتون في بعضهم؛ فقطع عليهم حبل التلفات، وقالوا؛ اسروا وبكرة خير.

وقفوا في مسراب مظلم، يعلوه؛ سرب المطر البارز من ركن بيت الفقيه؛ وسمعهم يتوشوشون؛ وسوّى نفسه ما يدري، صبّ من الركوة في السرب، وطرطش عليهم، وتعمّد يوهمهم أنه يفرّغ مثانته؛ إذ قال؛ هبّ يا ذا البرد ما خلاني آوي؛ من شخّه في شخه؛ فتفرقوا وكل واحد يتشمشم ثيابه وينذّرون به؛ بينما تواسى على خواشعه يضحك وعمامته في ثمّه؛ ويردّد بينه وبين نفسه؛ خلهم يستاهلون بني نمّه، سمعته مرته فقالت؛ قالوا درب يا مدربي، فقال؛ ليت لي في غُلْبي؛ وانفرطت عليه، وأدرك أن في نفسها حاجة، وعلى الله وعليه قَضاها، فنشدها؛ وين الجاوي اللي شريته لك من سوق السبت، ما تبخرتِ به؛ ولا شميته بخشمي، وإلا ما تتبخرين إلا إذا جا عندك ديكان؟ ففهمت المقصود، وقامت على الشقيق وإبريقها في يد والمصنف الرازحي في دغدغها، وهجدت الغَلَبه.

تلاحقوا جماعة، في ظُلّة المسيد، واتفقوا على ترشيح (شدّاد أبو عزورة) علّق الفقيه؛ عزّ الله أنكم جبتموها؛ شدّاد؛ لا مرة ولا ولد، ولا حلال ولا تلد؛ ما غير ربّه وقامته وعلى الله سلامته؛ ثم قال؛ من يقنعه، ووش بتعطونه؛ ردّ المذّن؛ يقنعه العريفة ونعطيه مِتعة كل يوم؛ ردّ الفقيه بمحراف ما يفكه من ثُمّه؛ (نيّتي ماهيب شينه والعريفه ماش نيّته).

انبسط العريفة من الشور وقال؛ منين تسمعون، ما يخدم بلاش إلا اللاش؛ فإن كان كل واحد منكم بيعشّيه ليلة، فانا دونه؛ وله منّي بندقتي أُم حبّه؛ ميّس (أبو عزورة) بالمنصب؛ وقرر يطلق شواربه؛ ويطلى بطون قدميه بقطران، لتنفر منه العقارب والديبان، وأوّل ليلة ولّموا عشاه بيت المدّلِس، وسرى عليه ليل ما سرى على يهودي، يتلوّى ويتزوّى، وما حميت شمس الضحى إلا وهو عند العريفة؛ وقال؛ هذي بندقتك، وهذا حدّها، تخبّره؛ وشبك؛ فقال؛ بيت الجوع لا ذكروا بخير؛ عشّوني دجر بايت أسمط جوفي؛ ودقني بطني؛ طول الليل في معياني كما الرّعد، ومن بين سيقاني دفق كما الوُشّق، فردّ العريفة شماغه على وجهه؛ وكتم ضحكته؛ مردداً؛ الله يسقيها من ساعة دمّنت الغابة كم لها ما حد سمّدها، فقال؛ تتمهزى بي، وبغى يفلح، فقال؛ أقعدي يا بحرة، وطلب الفتّة؛ وانتدر العَكّة؛ وجلّها بالسمن اللي ريحته تفنّك، وقال؛ اختفس وما جاك عندي.

انحكم الحِمى؛ وصار مضرب مثل بين القُرى، وقال الشاعر قصيدة مدحه بها، قَفَلها بمحراف ذاع صيته؛ (صكّ بيبان كم له منفتح بوبها) وأصبح حامي الحِمى مستودع أسرار بنات فاطمة؛ يستمع لشكواهن من الأزواج والعمّات؛ ويفرش كوته الأسود المرقّع للي يحكم عليها إنها من بيت جود، وما غير يتردد نفسه عن (حاطبه الّلِوِطه) وكلما مرّت من جنبه تهزّ خوشها؛ وتطرقع باللُّكة بين ضروسها؛ تصبّح عليه بعبارتها الشهيرة اللي تأكل نصّها؛ باح الخير؛ فيردّ عليها؛ باح عقلك؛ ثم يهمل الفتيل، ويخليها؛ تحتشّ من تحت الخيطان؛ وإذا نشدته وشبك تشرد منّي ما نيب هيله؟!، يجيب؛ أخاف تعديني بالمجاغة؛ انتي كما اللبانه إذا صفقتها الشمس وماعت؛ وانا استحي من حليلك وامزى من عمري، ثم يشغب الصوت؛ (كلن معه هيل تنضح به رقاب المعاميل، والهيل من زانت أخلاقه ومن حِلْي رسمه).

شكّ الفقيه، من تزايد خطور النسوان على الغابة؛ وقال؛ لا يكون مقطوع العِفى اغتواهن؛ وسبر مسراحهن ومراحهن؛ ونشد مرته؛ عندك علم عن الخُليان والحُطبان؛ اللي يرحن بها جاراتها؛ فقالت؛ والله يا بو عزورة ما يخلي وحده تثني ظهرها، يختلي ويحتطب؛ ويشدّ فوق ظهورهن؛ علّق؛ بيّض الله وجهه، وانا اقول وشبهن؛ اللي تشقق شرشفها، وإللي تناسلت شيلتها، واللي ضاعت فتختها؛ وأضاف (سمحان يهدر من شدوقه ونايبه).

حرّش مرته؛ وقال؛ اسرحي وإذا أنكرتِ من أبو عزورة شيء؛ فاكسري شرفه؛ ارمعيه بالمحش بين عيونه، سرحت، وراحت بحطبها وخلاها، وهي تمدح وتشرح، وحلفت؛ ما حد يجي في ربع شيمة أبو عزورة، فدخل الشكك قلب فقيه السكون، وقال؛ أخاف إن المنعون تيّنها مع المتيّنَه، فطلب العريفة، قائلاً؛ والله ما يحرس غابتنا إلا آنا، فنشده؛ والفقاهه؟ ردّ عليه؛ أعطها أبو عزورة، ومن يومها شدّ العرعر، ونفد الخلا، وما عاد راحت (حاطبه) بعود.