-A +A
منى العتيبي
تذهب نظرية المدفأة المتوهجة لدوجلاس ماك جريجور عالم النفس الإداري إلى عدة محاور تقوم عليها هذه النظرية، باختصار؛ الأول، أن المدفأة مصدر دفء لكل مَن يقترب منها ولكن إذا مد يده إليها ستحرقه بشكل سريع وحازم وسيبقى أثر الحرق على قدر الوقت الذي بقيت فيه يده داخل المدفأة! والمحور الثاني يشير إلى أن المدفأة لا تستطيع أن تميّز بين كبير وصغير، ولا نشيط وكسول، ولا تعرف الذكر من الأنثى، وأن كل من يقترب منها فإنه سيحترق بلا شك، إذ إنها لا تستطيع التمييز بين الأشخاص، ولا تعرف الفروق بين الأفراد مهما كانت، سواء كانت فروقاً اجتماعية أو طبقية. والثالث من المحاور يدور حول عدم التباين، بحيث إنه في كل مرة يعود هذا الشخص إلى مدّ يده إلى المدفأة، فإنها ستعود مرة أخرى إلى حرقها مجدداً، وكل ما عاد عادت.

من هنا وقريباً من هذه النظرية أرى بأنه طالما وصلت أغلب المؤسسات والمنظمات في بلادنا مؤخراً إلى مرحلة مطمئنة من الجودة في الإنتاجية وحققت النتائج التي تطمح لها رؤية المملكة وما زالت تحقق ونحصد ثمارها؛ أرى بأنه من الضرورة أن نلتفت في هذه المرحلة للأنظمة الإدارية المتنوعة في المؤسسات سواء كانت الحكومية أو الخاصة من حيث صناعة أنظمة إدارية مرنة تميّز الموظف المميز عن غيره، وتميز أيضاً بشكل عام المؤسسة المنتجة عن غيرها، ومنحها مساحة في المشاركة بوضع الأنظمة والقوانين الداعمة لها؛ فالأنظمة مثل المدفأة المتوهجة.. تضيء ولكن لمسها ولو من باب «الاجتهاد» يحرق حتى محاولة الإبداع والابتكار أحياناً! فمثلاً هناك الموظف المبدع والمتميز والذي يملك طريقته الخاصة في الإنتاج وفي تحويل التحديات إلى منافع بطريقة عبقرية تميزه عن غيره ولكن يظل هذا المميز محكوماً بالجلوس حول المدفأة، لا يستطيع أن يمد يده لفكرة عالية أو تجربة جريئة قد تخدم مؤسسته؛ لأنه يدرك أنه سيحرق يده! ولا يستطيع أن يتأخر عن وقت حضوره وعن الزمن المحدود لحضوره الذي قد لا يتوافق مع «مزاج» إبداعه لمجرد أن النظام الإداري لا يسمح والعقاب سيكون مصيره!


ختاماً.. من رأيي لا بد أن نقف عند السؤال المهم لهذه المرحلة التي تعيشها أغلب مؤسساتنا الحكومية والخاصة من النجاحات وهو: هل الأنظمة والقوانين الإدارية اليوم مناسبة لصناعة النجاح المستدام؟ أم هي المدفأة المتوهجة التي ينبغي أن نتجاوزها؛ لأن الطموح أعلى وأعلى؟