أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1112.jpg&w=220&q=100&f=webp

منى العتيبي

السعودية تقرأ..

في كل عام يعود معرض جدة للكتاب ليذكّرنا بأن بين دفّتي كتاب يمكن للعالم أن يتّسع، وللفكرة أن تتنفس، وللإنسان أن يستعيد شيئاً من ذاته التي يسرقها الركض اليومي. وتحت مظلة هيئة الأدب والنشر والترجمة يتحوّل المعرض إلى مساحة نابضة بالحياة؛ ألوان من الكتب، وأصوات من الثقافة، وحكايات تأتي من أكثر من ألف دار نشر تصنع معاً احتفالاً واسعاً بالمعرفة.

لكن رغم هذا الزخم، يبقى التحدي الأكبر اليوم أمام الفرد ليس في الوصول إلى الكتاب، بل في القدرة على القراءة نفسها. ففي عصرٍ تتسابق فيه المنصّات الاجتماعية، والمحتوى المرئي السريع، وعالم البودكاست واليوتيوب على انتباه الإنسان، أصبحت القراءة فعلاً تحتاج إلى إرادة أكثر من أي وقت مضى. لقد تغيّر شكل الاستهلاك الثقافي، وصارت سرعة المحتوى تهيمن على بوصلة الاهتمام، بينما القراءة بطبيعتها عميقة وبطيئة، تتطلّب وقتاً وصبراً وانغماساً وتأملاً.

ومن هنا يبرز السؤال: كيف نستعيد العلاقة بين قارئ اليوم والكتاب؟ وكيف نعيد قيمة القراءة الحقيقية لنخطفها من فم السرعة ومنصات التواصل الاجتماعي التي خطفت القرّاء من محاضن الكتب؟

اليوم نحن بحاجة ماسّة إلى أن تلعب الشركات الوطنية الكبرى، بكل تخصصاتها، دوراً أكثر حضوراً في دعم الثقافة والكتاب؛ فالشركات المؤثرة مثل أرامكو وسابك وSTC قادرة على إحداث أثر عميق حين تتعامل مع دعم القراءة لا بوصفه عملاً دعائياً أو مسؤولية اجتماعية رمزية، بل باعتباره إيماناً بأن بناء مجتمع قارئ يعني بناء قوة بشرية قادرة على الابتكار والتحليل، وقادرة قبل ذلك على التفكير المستقل. ويمكن لهذه الشركات أن تدعم مكتبات عامة، وترعى مبادرات للقراءة داخل بيئات العمل، وتتبنى مشاريع للنشر والترجمة، وتخلق مساحات معرفية تعيد للكتاب قيمته في حياة الأفراد.

وهنا تتجلى أهمية المعارض الثقافية؛ فهي لا تعرض الكتب فقط، بل تستعيد روح القراءة، وتجعلها فعلاً اجتماعياً مرئياً، وتبني حولها عادة وطقساً وفضاءً مشتركاً. ومع ذلك، فإن مسؤولية نشر ثقافة الكتاب لا تتوقف عند المؤسسات الثقافية الرسمية وحدها، بل تتجاوزها لتصبح واجباً وطنياً تتقاسمه مختلف القطاعات.

إن نشر ثقافة القراءة ليس ترفاً ثقافياً، بل ضرورة تنموية؛ فمجتمع لا يقرأ سيتعلم عبر وسائل سريعة، ولكن معرفة بلا جذور لن تقود إلى وعي مستدام. ومعرض جدة للكتاب 2025 يذكّرنا بأن الكتاب ما زال ركيزة أساسية في تشكيل الوعي، وأننا بحاجة إلى منظومة كاملة -من مؤسسات رسمية وشركات وطنية وأفراد واعين- لإعادة الاعتبار للقراءة في زمن مملوء بالضجيج.

ختاماً.. لابد أن يكون شعار كل مواطن، وكل مؤسسة من مؤسسات الوطن: «السعودية تقرأ». فالأوطان التي يكثر فيها القرّاء تصبح أكثر وعياً وقدرة على التطوّر، ولهذا فإن دعم القراءة هو استثمار حقيقي في الإنسان والمكان.

منذ 6 ساعات

الزيتون.. قصة سعودية

في كل عام، عند السادس والعشرين من نوفمبر، تتوقف الذاكرة العالمية أمام شجرة ضاربة في جذور التاريخ: الزيتون. شجرة ارتبطت بالسلام في ثقافة البشر، وبالصبر في وجدان المزارعين، وبالخصوبة في الموروث الزراعي لمنطقة المتوسط. وفي هذا اليوم، أحببت أن أكتب عن علاقة المملكة العربية السعودية بالزيتون وكأنها تقدّم قصتها الخاصة عن هذه الشجرة.. سردية نمو هادئ، مؤسس، ومحمول برؤية ممتدة حتى 2030.

قرأت اليوم تقريراً صادراً من وزارة البيئة والمياه والزراعة يتحدث بالأرقام عن قفزة نوعية في إنتاج المملكة من الزيتون، الذي بلغ 351.6 ألف طن، في مؤشر واضح على أن هذا القطاع لم يعد مشروعاً زراعياً فقط، بل جزءٌ من معادلة الأمن الغذائي والتحوّل الاقتصادي من خلال أكثر من 21.5 مليون شجرة تحتضنها مناطق البلاد، منها ما يزيد على 18 مليون شجرة مثمرة، وكل هذا الاتساع لم يأتِ مصادفة، بل نتيجة سياسات زراعية جديدة، تعتمد على التقنيات الحديثة، والممارسات المستدامة، والتخطيط الدقيق لاستخدام المياه والأراضي.

وفي قلب هذه القصة تقف منطقة الجوف، بوصفها درّة الزيتون السعودي، بإنتاج يقارب 290 ألف طن، وقرابة 18 مليون شجرة تتوزع على امتداد أراضيها، وكأن المنطقة قررت أن تكون السجل الأخضر للمملكة. تليها حائل بقرابة 19.5 ألف طن، ثم تبوك بـ 18.7 ألف طن وأكثر من مليون شجرة، فالقصيم التي تواصل تعزيز حضورها بنحو 18 ألف طن و860 ألف شجرة، هرم الإنتاج يستقر هنا، لكن فروعه تمتد إلى بقية المناطق التي تتفاوت أرقامها، وتتفق في أن الزيتون أصبح جزءاً من مشهدها الزراعي السعودي.

وكما أرى أن الأرقام مهمّة، إلا أن خلفها قيمة أكبر تكمن في فعالية إدارة الموارد. فهذه الشجرة التي عُرفت بقدرتها على احتمال الجفاف، أصبحت اليوم نموذجاً سعودياً للاستفادة القصوى من المياه، وتنظيم التوسّع في الزراعة الحديثة، ورفع جودة المحاصيل، بل إن الزيتون دخل دائرة الصناعات ذات القيمة المضافة، من الزيوت البكر حتى المنتجات الغذائية والصحية، في سلسلة إنتاج متكاملة ترفع من تنافسية القطاع محلياً وعالمياً.

والجميل في القصة التي تدل على القفزة النوعية التي تعيشها السعودية في المجال الزراعي أن الوزارة أشارت إلى أن المملكة باتت تنتج أصنافاً متعدّدة، من كوراتينا وفرانتويو، إلى الشملالي والبيكوال والصوراني، في تنوّع يعكس تجربة زراعية لم تعد ناشئة، بل متقدّمة وراسخة، وتتكئ على خبرة ميدانية وعلى بيئات إنتاج مدروسة، وهذا يعني أن المملكة اليوم تعمل على جاهزيتها كي تكون مصدراً زراعياً اقتصادياً متكاملاً للزيتون.

اللافت أن اليوم العالمي لشجرة الزيتون، الذي أقرّته اليونسكو عام 2019، جاء ليؤكد عالمياً ما تؤكده المملكة عملياً: أن هذه الشجرة ليست محض محصول، بل ثقافة تنموية قائمة على الاستدامة، وعلى سلامٍ من نوع آخر... سلام بين الإنسان وأرضه، وبين الطموح والواقع.

ختاماً..

قصة الزيتون السعودي ليست احتفالاً بيوم عالمي فحسب، بل شهادة على انتقال المملكة من زراعة تقليدية إلى زراعة تصنع مستقبلاً، وتبني رصيداً أخضر في ذاكرة الوطن والأرض أجمع.

00:26 | 28-11-2025

زمنان عظيمان..

في عبارة هادئة تحمل ثقل التاريخ ووضوح الرؤية، قال ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- خلال زيارته الأخيرة لواشنطن: «إن الولايات المتحدة تقترب من الاحتفال بمرور 250 عاماً على تأسيسها، فيما تستعد المملكة بعد عامين للاحتفال بمرور 300 عام على تأسيس الدولة السعودية». لم تكن الجملة مجرد مقارنة زمنية بين دولتين كبيرتين، بل كانت طريقة بيانية لصياغة معنى أعمق: أن الزمن في التجربتين ليس رقماً جامداً، بل شهادة على قدرة الدول على البقاء والتحوّل وصناعة مستقبل يليق بحجمها.

فالتاريخ السعودي الممتد لثلاثة قرون ليس ذكريات تُستعاد، بل جذور راسخة تُبنى عليها دولة تتجدد بصورة مستمرة؛ دولة تعرف كيف تحافظ على ذاتها، وكيف تتغير بإرادة لا باضطرار. وفي المقابل، تبدو التجربة الأمريكية التي شارفت على قرنين ونصف قرن مرآةً لدولة استطاعت أن تعيد إنتاج نفسها عبر محطات متغيرة، لتبقى واحدة من أكثر التجارب السياسية رسوخاً في العالم. وبين هذين الزمنين المختلفين، يكمن خيط مشترك يشير إلى أن الاستمرارية ليست امتداداً زمنياً فحسب، بل وعي تاريخي يصنع الحاضر.

وفي سياق هذه العبارة، استدعى ولي العهد -حفظه الله- لحظة اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس فرانكلين روزفلت قبل نحو تسعة عقود؛ فلم يكن يلمّع حدثاً من الماضي، بل كان يعيد ترتيب العلاقة السعودية-الأمريكية على مسارها الطبيعي: علاقة تأسست على رؤية مبكرة، وعلى إدراك عميق لأهمية التحالف بين دولتين كبيرتين في عالم لم يكن قد اتضح شكله بعد. تلك اللحظة المفصلية لم تكن مجرد بداية علاقة سياسية، بل كانت نقطة تحول في بناء الدولة السعودية وفي ترسيخ مفهوم الشراكة طويلة الأمد.

إن اللغة التي استخدمها ولي العهد، رغم بساطتها، تحمل في عمقها دلالات دقيقة؛ فهي توحي بأن التحالف بين البلدين لم يعد مجرد تعاون قائم على مصالح آنية، بل مسار يمتد عبر التاريخ ويتسع اليوم ليشمل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والدفاع والاقتصاد الرقمي. ومن خلال هذا الربط بين الماضي والمستقبل، بدت عبارته وكأنه يقدم للعالم صورة عن علاقة لا تحكمها اللحظة السياسية العابرة، بل يصوغها تراكمٌ تاريخي ورؤية مستقبلية متوازنة.

في هذا السرد المتناغم، تمتزج الشاعرية بالرسمية؛ فكلمات ولي العهد تحمل شيئاً من اللمعان البلاغي يشبه كتابةً منقوشة على حجر: ثابتة لكنها مفعمة بالحركة؛ شاعرية لا تفقد هيبتها، ورسمية لا تجفّ، وتقريرية ترسم مساراً واضحاً للعلاقات الدولية في مرحلة عالمية مضطربة.

وهكذا، تتحول العبارة إلى مساحة أوسع من معناها الظاهر: تذكير بأن السعودية دولة تمتلك زمنها العميق وقدرتها على صياغة مستقبلها بثقة، وبأن الولايات المتحدة شريك تاريخي تُعاد صياغة العلاقة معه على أسس أكثر تطوراً واتساعاً؛ فالمستقبل الذي يتشكّل اليوم ليس مسار دولتين فحسب، بل تلاقي تجربتين كبيرتين تتقدمان في الزمن بثبات، وتنسجان معاً فصلاً متصلاً بالتاريخ من الشراكة التي تتجاوز جغرافيا السياسة لتصل إلى عمق التاريخ وإمكانات المستقبل.

ختاماً.. في عبارة واحدة، أعاد ولي العهد تشكيل المشهد؛ فلم يعد الحديث عن شراكة بين دولتين، بل عن تلاقي زمنين كبيرين يصنعان مستقبلاً واحداً.

00:06 | 21-11-2025

القدية Six Flags.. أسلوب حياة

تلقيت دعوة لزيارة مدينة القدية Six Flags والاطلاع على أحدث التطوّرات في المنتزه، الذي يُعد أول الأصول الترفيهية التي سيتم افتتاحها مع نهاية عام 2025.

والمملكة رائدة في هذا المجال، فهي لا تُشارك العالم في الترفيه فحسب، بل تقوده عالمياً. «فالكون فلايت» وحدها حطّمت ثلاثة أرقام قياسية عالمية من حيث السرعة والطول والارتفاع، إلى جانب ألعاب أخرى مشوّقة وقوية يبلغ عددها 10 ألعاب رئيسية، إضافة إلى 18 لعبة مخصصة للأطفال والعائلات، ممتعة وتناسب أجواءهم.

أرى هذا المشروع ركيزة تنموية لا تقل أهمية عن الاقتصاد والطاقة والمعرفة وغيرها من ركائز التنمية. فـSix Flags القدية ليست مجرد مدينة ألعاب، بل رؤية جريئة تُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان ومحيطه، بين التسلية والتنمية، وبين المتعة والهوية.

هذا المشروع العملاق يجسد تحوّل المملكة من مرحلة «الاستهلاك الترفيهي» إلى مرحلة صناعة الترفيه. وكما كتبت سابقاً، نحن بحاجة إلى صناعة ترفيه تواكب المرحلة التنموية التي نعيشها اليوم.

في مشروع Six Flags القدية يصبح اللعب وسيلة للإبداع، والمرح أداة لبناء الإنسان وتعزيز جودة حياته. فمن خلال بيئة تفاعلية تجمع بين التكنولوجيا والطبيعة والثقافة، يعيش الزائر تجربة استثنائية تمنحه الإلهام وتفتح أمامه آفاقاً جديدة للخيال والاكتشاف.

ويأتي هذا المشروع ضمن جهود المملكة لتحسين جودة الحياة عبر توفير مساحات حقيقية للفرح والراحة والتواصل الإنساني الراقي. فالقدية تمنح الأفراد والعائلات فرصة لتجديد طاقتهم واستعادة توازنهم النفسي والاجتماعي، في بيئة آمنة ومتنوعة تعكس اهتمام المملكة بالإنسان كقيمة ومحور أساسي للتنمية.

اقتصادياً، أراه رافداً مهماً وواعداً، إذ تمثل القدية منصة استثمارية مستقبلية ستنعكس آثارها على مختلف القطاعات. ومن خلالها ستُصنع فرص عمل نوعية، وتُدعم الشركات المحلية، وتُستقطب الاستثمارات العالمية في مجالات الترفيه والضيافة والسياحة.

كما ستضع الرياض على خريطة الوجهات العالمية الكبرى، لتنافس العالم أجمع وتصبح رمزاً للقوة الناعمة السعودية.

وسياحياً، ستجذب المدينة ملايين الزوّار سنوياً، ما يُنعش قطاعي السياحة الداخلية والخارجية، ويُعزّز صورة المملكة كبلد نابض بالحياة يحتفي بالابتكار والانفتاح.

لكن الأثر الأعمق للقدية Six Flags -من وجهة نظري- ليس في الاقتصاد وحده، بل في التحوّل الاجتماعي والثقافي الذي تمثله. فوجود مشروع بهذا الحجم في قلب المملكة يعزز روح الانتماء والفخر، ويفتح الباب أمام جيل جديد يرى في وطنه فضاءً للإبداع لا يقل بريقاً عن أي مكان في العالم.

وأراها تجربة تزرع في الوعي الجمعي فكرة أن الترفيه شريك وحافز وركيزة مهمة في صناعة المستقبل.

ختاماً، القدية Six Flags ليست مجرد مدينة، بل فلسفة حياة جديدة تتجسد فيها طموحات وطنٍ يسابق الزمن ليصنع لنفسه موقعاً في مقدمة الأمم.

إنها مشروع يلخّص روح السعودية الحديثة: واثقة، منفتحة، وماضية نحو المستقبل بخطى تملؤها الحياة.

إنها مدينة صُمّمت لتكون لغة جديدة للحياة، حيث لا يكون الترفيه هروباً من الواقع، بل جزء من صناعة واقع أفضل، وجيل مفعم بالحماس يصنع نهضة تاريخية متفردة عبر الأزمان.

00:12 | 14-11-2025

القمة الوهميّة!

لأن الإنسان في أصله كائن متفاعل ومتصلٌ بالآخرين، لا يكتمل وجوده إلا من خلال الأثر الذي يتركه فيهم، والعلاقات التي يبنيها، والقيم التي يتبناها ويعيش لأجلها؛ لذلك كله قيمة الإنسان الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين، ولا بحجم الاستقلال الظاهري الذي يسوّقه عبر صور ومنشورات، بل تُقاس بمدى انسجامه مع نفسه، بقدرته على العطاء دون انتظار، بثباته في مواقفه، وبتواضعه الذي لا ينتقص من قوته، بل يكمّلها.

أن تعرف قيمتك لا يعني أن ترفع رأسك فوق الجميع، بل أن ترفع روحك فوق الإهانات، أن تتجاوز المقارنات، وأن ترفض العيش في سباق مع من لا تعرف أصل حكاياتهم. فالثقة لا تصرخ، بل تُرى. والنضج لا يستعرض، بل يُلمس.

ولذلك، نرى ونسمع ونقرأ اليوم في منصات التواصل الاجتماعي أصواتًا مزدحمة بخطابات تقدير الذات المشوّهة، التي تزرع في النفوس قشورًا من الكبرياء بدلاً من عمق الإدراك الذاتي. فأصبح البعض يخلط بين احترام الذات والتكبر، وبين الاستقلالية والجفاء، وبين الحزم والتسلّط. يقول إليانور روزفلت «لا أحد يستطيع أن يجعلك تشعر بالنقص، دون موافقتك». وهذا يعني أن تعرف قيمتك وأن تدرك أنك لست نسخة من أحد، ولا ظلًا تابعًا وأن تمشي بثقة دون أن تُجبر الآخرين على التصفيق لك ومن يعرف قيمته لا يطلب الاحترام.. هو يفرضه بحضوره، بتصرفاته، بثباته، ويعني أيضًا أن تصنع ثباتك وتنمو وسط الآخرين ومعهم وليس بمعزل عنهم !

وأرى أن قيمة الإنسان الحقيقية هي شعوره بالانتماء إلى نفسه أولًا وإلى محيطه من الأسرة والمجتمع ثانيًا وليس شعوره بأنه الأعلى أو الأكثر تعاليًا وتجبرًا حتى يتخلص من النقص الّذي يشعر به نتيجة موقف أو حدث عابرٍ !

ختامًا.. أن تعرف قيمتك لا يعني أن تعيش وحدك على قمة وهمية، بل أن تمدّ يدك للآخرين، أن تبني لا تهدم، أن تُلهم لا تستعرض؛ فالحياة لا تخلّد من عاش لنفسه فقط، بل من عاش بفكرة، وترك أثرًا، وظلّ إنسانًا في كل المواقف.

00:16 | 7-11-2025

المراسم.. القوة الناعمة..!

حضرت قبل أيام برنامجًا تدريبيًا عن الإدارة الاحترافية للمراسم قدّمه الدكتور سعد العتيبي، وكانت تلك الأيام الخمسة كفيلة بأن تفتح أمامي أفقًا مختلفًا للتفكير في معنى «المراسم» ودورها الحقيقي في بناء الصورة الذهنية للجهات وللمؤسسات، بل وفي تشكيل ملامح القوة الناعمة للوطن.

كثيرون ينظرون إلى المراسم على أنها مجرد «إجراءات استقبال» أو «تنظيم بروتوكولي» يتكرر في كل مناسبة، لكن الحقيقة أعمق بكثير. فالمراسم حين تُدار باحتراف ووعي، تتحوّل إلى لغة صامتة للذوق والهوية، تعبّر عن قيم المؤسسة قبل أن تنطقها، وتترك في وعي الآخرين انطباعًا يسبق الخطاب الرسمي ويدوم بعده.

وأرى أن الاحتراف في المراسم ليس في ترتيب المقاعد أو تنسيق الورود، بل في إدارة المشاعر والانطباعات؛ في جعل الزائر يشعر أنه مُرحّب به بصدق، وأن كل تفصيل من حوله يعبّر عن احترامه وتقديره، هذه المساحة الهادئة بين الشكل والمضمون هي ما تصنع الفرق بين العادي والراقي، وبين المؤدي والمتقن.

وإذا تأملنا الصورة الكبرى، سنجد أن المراسم تمثل أحد وجوه القوة الناعمة التي تمتلكها الدول المتقدمة، فكما تؤثر الفنون والثقافة والتعليم في تشكيل صورة الوطن خارجيًا، فإن المراسم المؤسسية الراقية تمارس دورًا مشابهًا على المستوى الداخلي والخارجي، بصمتٍ جميل لا يرفع الصوت لكنه يترك الأثر.

إننا اليوم بحاجة إلى توسيع مفهوم المراسم، لتغدو ثقافة مؤسسية عامة لا تقتصر على المناسبات الرسمية، فنحن نحتاج مراسم في التعليم تُعلّم الأجيال احترام النظام والوقت ومراسم في المستشفيات تُعبّر عن إنسانية الخدمة ومراسم في الإعلام تُجيد تقديم الرسالة بلياقة وجاذبية ومراسم في العمل اليومي تُظهر احترام الإنسان لزميله وللمكان الذي يعمل فيه وغيرها من التفاصيل والأماكن.

وفي المشهد الاقتصادي، نحتاج بقوة إلى مراسم استثمارية احترافية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى؛ فكل لقاء اقتصادي، وكل توقيع اتفاقية، وكل استقبال لوفد مستثمر، هو في جوهره مشهد من مشاهد القوة الناعمة للوطن؛ فالطريقة التي يُستقبل بها المستثمر، وكيف تُقدَّم له بيئة الاستثمار برقيّ وتنظيم، وكيف يُشعر بأن التعامل معه ليس معاملة مالية فحسب، بل تقدير لعلاقته بالوطن.. كلها رسائل صامتة تصنع ثقة وتفتح أبواب فرص جديدة، فالمراسم في الاستثمار هي جزء من المناخ الاستثماري نفسه، لأنها تترجم الاحترام والموثوقية والاحتراف، وكلها عناصر تسهم في بناء الثقة وجذب الشركاء الدوليين من المستثمرين.

مع هذا كله، يصبح الاحتراف في المراسم سلوكًا ووعيًا، لا مهمة بروتوكولية، ويصبح الانضباط والذوق والرقي جزءًا من صورة الوطن في أعين أبنائه قبل غيرهم. إن القوة الناعمة تُبنى بتراكم التفاصيل الصغيرة التي تصنع انطباعًا عميقًا. والمراسم الاحترافية حين تُدار بالعقل والقلب معًا ستكون حتمًا أحد أجمل تجليات تلك القوة.

ختامًا.. الاحتراف في المراسم ليس فنّ استقبال، بل فنّ تمثيل؛ تمثيل لروح الوطن وذوقه وحضوره في تفاصيل صغيرة تصنع أثرًا كبيرًا وقوة ناعمة.

00:12 | 31-10-2025

فرص.. كفاءة واستقرار

حرصاً من وزارة التعليم على تطوير بيئة العمل التعليمية ورفع كفاءتها التشغيلية، أطلقت الوزارة برنامج «فرص» عبر نظام «فارس» الإلكتروني، ليكون منصة رقمية تتيح للمعلمين والمعلمات التقديم والتنافس داخل الميدان التعليمي على الفرص الوظيفية التعليمية.

يميّز هذا البرنامج أنه يمنح المرونة في سد الاحتياج طوال العام الدراسي دون الارتباط بمواعيد توظيف محددة أو موسمية، ويتيح للكوادر التعليمية فرصاً عادلة ومستمرة للتنقل في المواقع التي تتناسب مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم واحتياجات المدارس الفعلية حيث تعلن لأول مرة مواقع الاحتياج الشاغرة تعزيزاً للشفافية.

البرنامج سيحقق «فرص» استجابة سريعة للاحتياج الميداني في المدارس، سواء عند وجود شواغر مفاجئة أو حالات نقل أو تقاعد، مما يحدّ من الفجوات في توزيع المعلمين والمعلمات بين المناطق والمحافظات. هذه المرونة التشغيلية تنعكس مباشرة على استقرار العملية التعليمية وعدم انقطاعها، خصوصاً في المراحل الحرجة أو المناطق النائية.

وسيسهم البرنامج في تحقيق العدالة الوظيفية بين شاغلي الوظائف التعليمية والمفاضلة بين المؤهلات، والخبرات، والأداء، وغيرها وهذا الأمر يضمن حصول الجميع على فرصته في ظل العدالة المهنية ويعزز الثقة بين أفراد المنظومة التعليمية.

كما يدعم البرنامج جهود الوزارة في تحقيق كفاءة الإنفاق عبر إدارة الموارد البشرية بمرونة وذكاء، وتوظيف الكوادر وفق الاحتياج الفعلي وليس التقديري، وهو ما يتسق مع مستهدفات التحوّل الوطني ورؤية المملكة 2030.

على المدى البعيد، أتوقع بأن برنامج «فرص» سيسهم في رفع جودة التعليم من خلال استقرار الكوادر التعليمية، وتحفيز التميّز المهني، واستقطاب أفضل الكفاءات في الوقت المناسب. كما أنه يعزز مفهوم «التمكين الذاتي» للمعلم والمعلمة في إدارة مسارهم الوظيفي، عبر منصة رقمية شفافة وفاعلة، كما أن نجاح هذا البرنامج سيفتح الباب لتوسيع التجربة على مسارات وظيفية أخرى داخل المنظومة التعليمية، ويجعل من الموارد البشرية التعليمية محوراً رئيسياً في تطوير الأداء الأكاديمي والإداري، بما يخدم الطالب والمدرسة والمجتمع التعليمي بأكمله.

ختاماً:

يُعد برنامج «فرص» نموذجاً مهنياً للتكامل بين التقنية والحوكمة التعليمية، فهو لا يقتصر على كونه منصة توظيف فحسب، بل هو «منظومة تمكينية» تسعى إلى بناء بيئة عمل مستقرة، وميدان تعليمي أكثر مرونة واحترافية. ومع استمرار تطوير البرنامج، سيبقى أثره الإيجابي واضحاً في رفع جودة التعليم واستدامة كفاءته البشرية نحو مستقبل تعليمي أكثر فاعلية.

00:04 | 24-10-2025

72 ساعة فارقة وحارقة!

تسير المؤسسات والمنظمات في معالجة قضايا العملاء وخدمة المستفيدين مؤخرًا على منهجٍ واحد متداول في أغلبها، وهو استقبال الشكوى والرد عليها بشكل فوري وبصيغةٍ موحدة تطمئن العميل على وصول صوته. وبعدها، تظل الشكوى تحت مظلة الـ72 ساعة للمراجعة والمعالجة، وقد تتأخر إن استدعى الأمر التحقيق والتحقق، خاصة إذا كانت الشكوى تحمل معلومات متشعبة أو إجراءات غامضة ومربكة.
وفي هذه الـ72 ساعة، لنا أن نتخيّل مصير المؤسسة أو المنظومة إن لم يكن هناك حلٌّ إبداعي لمعالجة القضية؛ إذ سيؤثر ذلك على سمعة المؤسسة ومصيرها الإنتاجي. لذلك، من الضروري تصميم إجراءات مهنية ومراجعة آليات العمل خلال هذه المدة التي تشكّل عنصرًا حاسمًا في تجربة المستفيد، بما ينعكس مباشرة على الصورة الذهنية للمؤسسة التي سعت طويلًا لبناء سمعتها وكسب ثقة جمهورها ومستفيديها وعملائها.
واليوم، في عالمٍ تتغيّر فيه توقعات العملاء بسرعةٍ تضاهي تسارع الأسواق، أصبحت سرعة معالجة المشكلات عنصرًا حاسمًا في بناء الثقة، وتعزيز الولاء، وضمان استدامة المؤسسات. وتشير الدراسات إلى أن 72 ساعة تمثل نافذةً زمنيةً حرجة يمكن خلالها تحويل العميل الغاضب إلى عميلٍ وفي، أو خسارته إلى الأبد.
ولماذا أقول 72 ساعة؟ لأن هذا الإطار الزمني ليس رقمًا اعتباطيًا، بل هو معدلٌ مقبول عالميًا للاستجابة الاحترافية. فعندما يشعر العميل بأن صوته مسموع وأن مشكلته قيد المعالجة خلال ثلاثة أيام عمل، فإنه غالبًا ما يُبقي على علاقته بالمؤسسة ويمنحها فرصةً أخرى. أما التأخير أكثر، فقد يعني ضياع الثقة وفتح الباب أمام المنافسين. وكلما تقلصت الـ72 ساعة، زادت فرص المؤسسة في البقاء في سماء النجومية.
كما أن الاستجابة السريعة لحل المشكلات لا تنقذ صفقةً فحسب، بل تخلق سلسلةً من الانطباعات الإيجابية، وتحفّز العملاء على التوصية بالعلامة التجارية أو التعامل مع المؤسسة كمصدرٍ آمنٍ وموثوق. كذلك، فإن تقليل تراكم الشكاوى ينعكس إيجابًا على أداء الفرق الداخلية، ويزيد من كفاءة الموارد التشغيلية، ويعزز سمعة المؤسسة في السوق.
ولنا في منهج إحدى شركات التجزئة عبر الإنترنت خير مثال؛ فخدمة العملاء لديهم اختصرت الـ72 ساعة إلى ساعةٍ وأقل في المراجعة والتدقيق. فقد تستبدل الشركة المنتجات خلال 24 ساعة أو ترد المبالغ دون مماطلة، وهذه الثقة المتبادلة بين الطرفين ساهمت في ترسيخ مكانتها كاسمٍ رائدٍ في التجارة الإلكترونية.
كما أن إحدى شركات الأحذية تُعد نموذجًا آخر في نجاح علاقتها بعملائها ومستفيديها، إذ تعتمد على ثقافةٍ تنظيميةٍ إبداعية تقوم على عشر قيم رئيسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلامتها التجارية. فالشركة تأخذ الثقافة المؤسسية على محمل الجد، ومن خلالها تمكّنت من تطوير ممارساتٍ إداريةٍ مبتكرة قادتها إلى رضا الموظفين والعملاء معًا، ما مكّنها من تحقيق نجاحٍ مستدام. ويعود أحد أسرار ذلك إلى إعادة تعريفها لمفهوم الـ72 ساعة، وتحويله إلى نموذجٍ للحَوْكَمة السريعة والمتميّزة، وفق إجراءاتٍ ومعايير قائمة على قيم خدمة المستفيدين بأسرع وقتٍ وأفضل طريقة.
وأذكر هنا حادثة أحد العملاء الذي ذكر أنه استبدل حذاءً بعد أشهرٍ من الاستخدام، دون أن يُسأل عن السبب، وهذه السياسة جعلت من الشركة مرادفًا للولاء والثقة.
ختامًا، أرى أن الـ72 ساعة في وقتنا الراهن مدةٌ لا تتناسب مع سوقٍ شديد التنافس وعالمٍ رقمي متسارع. فحل مشكلات العملاء خلال هذه الفترة لا يقتصر على إرضائهم فحسب، بل يمثّل حجر الزاوية في بناء مؤسسةٍ مرنة تنمو بثقة وتكسب احترام السوق. فالمؤسسات العظيمة لا تُقاس بخلوها من المشكلات، بل بطريقة معالجتها لها.
00:08 | 17-10-2025

السجل العقاري.. محرِّكٌ اقتصادي يدعم الإسكان !

كثر الحديث مؤخراً عن السجل العقاري ومستقبل القطاع العقاري معه، وتعددت التوقعات حول أثره، فكل متحدث تناول الموضوع من زاوية خبرته وفهمه. إلا أن السجل العقاري يُعد في جوهره أحد الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها البنية التحتية الاقتصادية والتنظيمية في أي دولة تسعى إلى النمو المستدام والتحول الرقمي.

وفي المملكة العربية السعودية، يمثِّل السجل العقاري خطوة إستراتيجية ضمن جهود تطوير القطاع العقاري وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، وتحفيز الاستثمارات، وتعزيز جودة الحياة.

السجل العقاري هو نظام موحد ومحدث إلكترونياً لتوثيق جميع العقارات في المملكة، ويشمل بيانات الملكية والموقع والمساحة والحدود، إضافة إلى الحقوق المرتبطة بها مثل الرهن أو الوقف. ويُعد مرجعاً قانونياً معتمداً لحفظ الحقوق وتسهيل المعاملات.

وعلى خلاف ما يظنه البعض، فإن السجل العقاري لن يقتصر على التوثيق فحسب، بل سيسهم في الحد من النزاعات العقارية، ويمنح المواطنين ثقة أكبر عند البيع أو الشراء أو التأجير.

وقد يتساءل البعض عن ضرورة وجود السجل العقاري، وعن العائد والفائدة منه للمواطن. ومن خلال لقائي مع الرئيس التنفيذي للسجل العقاري الدكتور محمد السليمان وفريق العمل، يمكنني التأكيد على أن السجل يتيح للمواطنين الوصول بسهولة إلى معلومات عقاراتهم وتحديث بياناتهم عبر منصة رقمية موحدة، مما يعزز الشفافية ويمنع الاحتيال العقاري.

كما يُسهم النظام في تسهيل المعاملات العقارية مثل نقل الملكية أو الرهن أو إصدار الصكوك، الأمر الذي يقلل من الوقت والجهد والتكلفة.

وقد لاحظت في منصات التواصل الاجتماعي عدم استيعاب كافٍ لأثر السجل العقاري في السوق، إلا أن الحقيقة أن هذا السجل سيحدث نقلة نوعية في تنظيم السوق العقاري، من خلال وضوح البيانات وجاذبية البيئة الاستثمارية. فهو سيُسهم في رفع كفاءة السوق وتوازنه، وتمكين الاستثمار والتمويل العقاري عبر توثيق الملكيات، مما يسهل استخدام العقارات كضمان للحصول على تمويل.

كما سيعمل السجل العقاري على الحد من العشوائية والتعديات وتزوير الصكوك، لتصبح البيئة أكثر أماناً وثقة للمتعاملين، عبر منصة رقمية تربط جميع الجهات ذات العلاقة.

إن السجل العقاري ليس مجرد مشروع إداري، بل هو محرك اقتصادي يرفع من كفاءة السوق ويدعم برامج الإسكان من خلال تسهيل إجراءات التملك، بما يسهم في رفع نسبة التملك السكني إلى 70% بحلول عام 2030.

ختاماً.. السجل العقاري ليس مجرد أداة لتوثيق الأملاك، بل هو محرك تنموي يعزز ثقة المواطن، ويحفز السوق العقاري، ويدعم التحول الاقتصادي المستدام.

إنه بيئة عقارية رقمية، عادلة، وشفافة تُسهم في ازدهار الإنسان والمكان، وتُرسخ مكانة المملكة كمركز إقليمي رائد في الاستثمار العقاري والتنمية الوطنية.
00:16 | 10-10-2025

شخصية صاغتها الصحراء

لقد أسهمت مناسبتان في هذه الأيام في جعلي أعيش مشاعر الحماس والفخر، حتى صارت حنجرتي ذاكرة صوتية تشدو بكل قصائد الفخر السعودي. الأولى هي مناسبة اليوم الوطني السعودي لعامه الخامس والتسعين، والثانية هي الحراك السعودي العالمي الداعم للقضية الفلسطينية. وقد قادني هذان الحدثان إلى قراءة شخصية الإنسان السعودي المحب للخير والسلام، والمتميّز بشجاعته وحكمته.

شخصية الإنسان السعودي لافتة للنظر بما تحمله من توازن بين الماضي والحاضر. فمنذ القدم، تشكّلت ملامحها في بيئة صحراوية قاسية علّمته الصبر والتحمّل، وغرست فيه قيم الاعتماد على الذات والاعتزاز بالهوية. ومع الزمن، بقيت تلك السمات أساساً لا يتغيّر، لكنها اكتسبت بعداً جديداً مع التحوّلات السريعة التي تشهدها المملكة.

السعودي معروف بتمسّكه العميق بالقيم الدينية والاجتماعية؛ فهو كريم مضياف، يحترم الكبير، ويحافظ على روابط الأسرة والعائلة. هذه الروح الاجتماعية المتماسكة جعلته قريباً من الناس، وخلقت مجتمعاً متعاوناً يتشارك الأفراح والأحزان، وفي المقابل لا يرضى المساس بقيادته ووطنه وقيمه، وحتى بأصغر مواطن سعودي.

وفي ظل رؤية السعودية 2030، برز جانب آخر من الشخصية السعودية، كان موجوداً لكنه ظهر بشكل جلي؛ وهو الطموح والانفتاح على العالم. فقد أصبح الشاب السعودي أكثر شغفاً بالمعرفة والابتكار، وأكثر استعداداً لتجربة الجديد، دون أن يتخلى عن هويته الأصيلة. هذا المزج بين الأصالة والمعاصرة هو ما يمنح الشخصية السعودية تميّزها؛ فهي شخصية تنطلق من جذور راسخة، لكنها لا تخشى التغيير ولا تهاب المستقبل. واليوم، يمكن القول إن السعودي لا يعيش فقط على إرث الماضي، بل يصنع حاضره ويخطط لمستقبله بثقة استمدها من إرثه التاريخي. إنها شخصية توازن بين القيم والمستقبل، بين الصحراء وناطحات السحاب، وبين الضيافة التقليدية وروح التنافس العالمية. وهذا التوازن هو سر قوتها واستمراريتها.

ختاماً، شخصية الإنسان السعودي ليست ثابتة جامدة، بل هي شخصية ديناميكية تتطوّر مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، لكنها في الوقت نفسه تحتفظ بجوهرها الأصيل. وقراءتها تكشف عن إنسان متجذّر في قيمه، متماسك اجتماعياً، صبور ومضياف، طموح ومتطلع، يحب وطنه وقيادته ويذود عنهما بروحه وماله، ويتمنى للآخرين الخير وللعالم السلام.. بالمختصر «السعودي» شخصية صاغتها الصحراء ويقودها الطموح.
00:01 | 26-09-2025