-A +A
نجيب يماني
من المتوقع أن تكتسب أي مؤسسة أو شركة أو جهة حكومية خبرة متراكمة بفعل الزمن والتجارب، بما يكون عاصماً لها من الوقوع في أخطاء البدايات الساذجة، ومنزلقات الفوضى والتقصير غير الخليق بها وبتاريخها، ويرتفع هذا الرهان إلى أقصى احتمالاته إذا بلغت هذه الجهة أو المؤسسة عمراً طويلاً في الخدمة ذاتها وممارسة أعمالها بدعم من ولي الأمر وتوجيهاته مما أكسبها الكثير من الخبرات والتجارب.

فحالئذٍ لا يمكن تفسير أي قصور فيها إلا أنه ضرب من الإهمال والتقصير، ينبئ عن عدم احترام لها ولتاريخها..


أقول هذا وتحتشد في خاطري مواقف متعددة بلون العتب والمحبة والأسف دوافعها تصرفات لا مبرر لها تصدر بين الفينة والأخرى من قبل إدارة مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة المسؤول عن بوابة الوطن الأهم للقادمين لزيارة (الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة).

في العام ١٩٥٢م أُنشئ أول مطار في حي الكندرة في مدينة جدة، ومنذ ذلك التاريخ البعيد في عمر الزمن مرت تطورات متلاحقة وأُدخلت نقلات مميزة واتُّخذت خطوات مدروسة واستُعين ببيوت خبرة عالمية حتى وصلت بنا إلى (المطار الجديد) القائم بشكله الحالي المميز ونسخته العالمية المتطورة والمُدعم بكل جديد في عالم التكنولوجيا ليحاكي أكبر مطارات العالم في قدراته بدعم لا محدود من الدولة حفظها الله.

مطار عالمي يليق بوطن كبير وتعويض عن معاناة عشناها مع المطار السابق في نقلة حضارية سهّلت علينا وعثاء السفر وكآبة منظر المطار القديم وخدماته المهترئة.

خلال الأسابيع الفارطة سافرت عدة مرات إلى العاصمة الرياض، وفي كل مرة أُفاجأ وغيري من المسافرين بأن إدارة مطار الملك عبدالعزيز تحشرنا جميعاً في صالة مغادرة ضيقة تقع تحت الأرض تحمل رقم ٥ يشاركنا مسافرون آخرون لخطوط جوية أخرى.

نقف جميعاً أمام الأبواب المغلقة للصالة في فوضى بكاء أطفال وانتقادات وصراخ ونقاشات لا تنتهي..

مقاعد لا تستوعب المسافرين. يقف أصحاب الاحتياجات الخاصة بعرباتهم وكبار السن والأطفال والنساء والدرجة الأولى والأعمال ودرجة الضيافة دون تقدير لمن دفع أكثر ثمناً لتذكرته ليحصل على معاملة مميزة كما يحدث في أي مطار في العالم.

الجميع في انتظاره الممل وترقبه.. يأتي الأوتوبيس العتيد متأخراً ليقف مباشرةً تحت الأنبوب الممدد على أرض المطار والمقفلة أبوابه؛ فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فهذا الأنبوب هو الأصل في نقل المسافرين إلى الطائرة وليس الأوتوبيس، وهذا ما تعارف عليه في علم إدارة المطارات.

يخرج موظف المطار لينظم عملية سير الأوتوبيسات وتصعيد الركاب. يمشي هذا ويوقف ذاك. والكل يتسابق ليصعد إلى الأوتوبيس حتى يمتلئ قياماً وقعوداً وفي الممرات، لينطلق في رحلة على أرض المطار حتى نصل إلى الطائرة التي تقف بجوار أنبوب طويل ممدد مغلق في نهايته يذكرنا بمعاناتنا السابقة في المطار القديم، وكأنها وُضعت ديكوراً ومنظراً في أرض المطار الجديد.

يتم تصعيد ركاب الأوتوبيسات. كبار السن ينوؤون بحملهم، والنساء يحملن أطفالهن، والقادرون يسابقون للوصول إلى السلم.

طابور طويل يقف تحت الطائرة وعلى درجات السلم الحديدي في ظاهرة لا مبرر لها حتى أصبحت عادة تتكرر في أوقات مختلفة.

كل مطارات العالم تستخدم هذه الأوتوبيسات ولكن في المواسم وفي الرحلات المواصلة، وهي استثناء وليست القاعدة، مع مراعاة لركاب الدرجة الأولى والأفق.

مطار المؤسس الجديد يجب أن يدار كما قُدر له دون أخطاء أو إهمال أو تقاعس ويتمتع المسافر منه وإليه بكل التقنيات الموجودة فيه.

ظاهرة أخرى كدنا أن ننساها بعد معاناة مريرة في المطار السابق وهي تأخر وصول عفش الركاب إلى الصالة لأكثر من ساعة خاصة في الرحلات الدولية القادمة.

المطار الجديد تحفة معمارية يتشوه بصرياً بوقوف المئات من أصحاب التكاسي والأجرة أمام حوض السمك الأجمل ومن جميع جهاته يعرضون خدماتهم على القادمين بإلحاح مبالغ فيه ولا يدعون فرصة للقادم أن يشاهد روعة المطار ومعماره.

هذه جملة ملاحظات الغاية منها التنبيه لمواطن الخلل بغية إصلاحه، وتداركه، خاصة وأننا نعيش في عصر تحولي جديد، رسم خارطته الأمير محمد بن سلمان بنظرة إيجابية متفائلة تحمل الأمل لغد مشرق واعد، لا مكان للمتقاعسين فيه، برؤية وطنية كشفت الغمة، وأنارت للوطن طريقاً مفعماً بالخير والأمل يتناسب وحجم الحلم الذي يراود كل من يعيش على أرضه.

رجاء لإدارة مطار الملك عبدالعزيز الدولي بأن عليها واجباً كبيراً في الخروج بالرؤية من محضن التنظير إلى براح الفعل الملموس، وأن تهيئ نفسها لواقع جديد، وتغيرات جذرية لمواكبة التحول الوطني، وما تسعى إليه الدولة جاهدة في تشكيل الوعي المجتمعي المتسق مع روح العصر والقادر على استيعاب الملايين القادمة لمملكة الخير والمستقبل الأخضر.