-A +A
محمد مفتي
يعد بوليفارد وورلد في مدينة الرياض أحد الصروح الترفيهية التي دشنتها المملكة كأحد مشروعات هيئة الترفيه من أجل تشجيع السياحة الداخلية، حيث يضم هذا الصرح معالمَ للعديد من دول العالم كالصين واليابان وفرنسا والولايات المتحدة والهند وغيرها، بما يتيح للزائر التعرف على ثقافة العديد من الشعوب خلال بضع ساعات فقط، كما يحتوي الصرح على بحيرة صناعية ضخمة تبحر فيها عشرات الزوارق التي تقوم بنقل الزائرين من مدينة لمدينة ومن معلم لمعلم، إضافة إلى توافر العشرات من المطاعم والمقاهي والمتاجر المتنوعة، فضلاً عن تقديمه عدداً من العروض العربية والعالمية، كما يضم أيضاً العديد من الألعاب الترفيهية.

خلال زيارتي -مؤخراً- لبوليفارد سيتي، لا أنكر أنني تفاجأت بعض الشيء بأعداد الزوار الضخمة الذين ازدحم بهم المكان، فقد كانت أعدادهم بالآلاف، ومن المؤكد أن مثل هذا الازدحام يتكرر يومياً وعلى مدار الفترة التي تقام فيها هذه الفعالية، وقد كانت البهجة طاغية على المكان والسعادة بادية في أعين الزوار الذين حرصوا على التوقف أمام كل فعالية، ويستطيع الزائر أن يطوف معظم هذه المعالم العالمية في بضع ساعات فقط، وقد شعرت بأنني طفت فعلياً حول العالم خلال زيارتي له التي لم تتجاوز الساعات الثلاث.


كثيرة هي المشروعات التي تعكس مسيرة التنمية التي دشنتها المملكة خلال السنوات الأخيرة، ولعل بوليفارد سيتي هي واحدة من تلك الصروح التي تجسد حسن التخطيط والتنفيذ والإشراف معاً، فهذا المجمع الضخم تم بناؤه في وقت قصير لا يتجاوز العامين، وهو من الضخامة والتنوع والجودة بحيث يؤكد مفهوم النجاح المبني على حسن استغلال الموارد ودراسة السوق على نحو وافٍ، ومن المؤكد أن مثل هذه الفعالية أسهمت في خفض الكثير من الأموال التي كان السعوديون ينفقونها فيما سبق على السفر للخارج، والتي كانت تصب في صالح خزائن الدول الأخرى، كما أنها تؤكد على أن البيئة الاستثمارية في المملكة واعدة وأرضها خصبة قادرة على اجتذاب رؤوس الأموال.

يستطيع أي زائر من خلال ملاحظته لهذه الحشود التي يعج بها بوليفارد وورلد يومياً أن يدرك أن مثل هذه المشاريع تمثل أحد الموارد الاقتصادية المتجددة للمملكة، وأن العائد منها سيتجاوز بكثير المبالغ المستثمرة فيها، كما أن مثل هذه المشروعات الضخمة تساهم أيضاً في إنعاش القطاع الخاص بالخدمات المساندة لقطاع الترفيه كالسكن والمقاهي والمطاعم والنقل وغيرها.

لا شك أن فعاليات الترفيه نالت حظها من النقد اللاذع من قبل البعض ممن لا يرون العالم إلا من خلال عدسة داكنة أقرب للسواد، ومثل هذا النقد يعود للعديد من الأسباب التي قد تختلف من شخص لآخر ومن بيئة لأخرى، فهناك من يرى أنها عديمة الجدوى الاقتصادية دون حتى أن يكلف نفسه عناء زيارتها، فحكمه الشخصي هو نتاج لما يتداوله بعض المغردين من بيانات مضللة، وربما ينتقده أيضاً بعض الأفراد الذين يعيشون بالخارج ولم تطأ أقدامهم أراضي المملكة بهدف التأليب فقط، وهناك من يظن أن مثل هذه الفعاليات خارجة عن عاداتنا وتقاليدنا، التي تَكوّن الكثير منها بسبب سيطرة الفكر الصحوي لعقود، وأغلب الظن أن الكثير من هؤلاء المنتقدين لم تتح لهم فرصة زيارة هذا الصرح العملاق، وحكمهم ليس أكثر من اجتهاد شخصي غير مبني على أي معرفة بالواقع.

كما أن للنجاح معاييره فإن للفشل مقاييسه أيضاً، ونسب الإقبال على الفعاليات هي واحدة من أهم معايير النجاح والفشل ولا سيما في الأنشطة السياحية، وما يلمسه الزائر من إقبال كاسح على زيارة البوليفارد يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك نجاحه نجاحاً منقطع النظير، فقد استطاعت هذه الفعالية اجتذاب الجميع من كل الأعمار، فقد اجتذبت الآلاف من الأسر الراغبة في التعرف على معالم العديد من الدول، كما اجتذب المئات من الأطفال الذين أقبلوا على الألعاب الترفيهية التي يحتويها هذا الصرح الضخم، وهذا بدوره اجتذب السياح من كل مناطق المملكة، وبهذا استطاع استقطاب الجميع من كافة الأعمار.

حققت هذه الفعالية وأمثالها العديد من الأهداف التي طمحت لتحقيقها رؤية 2030، غير أن أهمها هو تنويع مصادر الدخل والانتقال التدريجي من مرحلة الاعتماد الكامل على النفط لمرحلة تنويع المصادر الأخرى واستدامتها، فمن المؤكد أن البوليفارد يوفر خلال فترة إقامته مورداً مالياً للدولة، كما أنه أسهم في خلق المئات من الوظائف لكلا الجنسين، ونشّط عجلة الاقتصاد وأحسن استغلال الكثير من الموارد، كما أنه أضاف الكثير لقطاع السياحة تحديداً الذي يعتمد -بدوره- على الكثير من المجالات الأخرى الفنية والتقنية، وبذلك يكون قد أسهم بشكل واضح في تعزيز الاقتصاد السعودي وتحسين مخرجاته.

من المؤكد أن البعض يحكم على مسيرة التنمية في المملكة من منطلق ما يعجبه وما لا يعجبه فحسب، فما يعجبه جائز وما لا يعجبه لا يجوز، وهذه الأصوات المغرضة لا ينبغي أن تؤخذ في الحسبان عند تقييمنا لأي مسيرة تنمية طموحة، ولا شك أن نجاح تجربة البوليفارد تدفعنا للسعي لإقامة مثل هذه الفعاليات على مدار العام، فالإقبال الضخم يؤكد نجاحها حال إقامتها خلال كافة المواسم، كما نتمنى أن تقام المزيد من هذه الفعاليات والصروح الترفيهية في بقية مدن ومناطق المملكة، فالمملكة دولة شاسعة مترامية الأطراف، وتستطيع كافة مناطقها استيعاب فعاليات بمثل هذه الضخامة والجودة، وهي -بلا شك- خطوة جيدة ستسهم -دون شك- في صنع حالة حراك اقتصادي وسياحي ضخم يعود بالنفع المباشر على الدولة والمواطن.