-A +A
صدقة يحيى فاضل
من العادات الجميلة إهداء الكتب، وتبادلها بين الأصدقاء والمعارف، ولكن القراءة لدينا ما زالت محدودة، وأقل مما يجب، كما تشير بعض الدراسات. ولم يواكب هذا التقدم الحضاري والتطور في النشر، مع الأسف، تطور في الإقبال على القراءة. وأرى، وأنا أكتب هذه الأسطر، كتباً عدة على مكتبي، مهداة إليَّ من أصدقاء وزملاء أعزاء. وقد افترضت أنها مؤلفات قيمة، وبذل في إصدارها جهد ثمين، ولمعرفتي الوثيقة بمؤلفيها، وبارتفاع مستوى تفكيرهم، ونضج تجاربهم، وتصفحي لهذه الدرر في مواضيعها، فقد عزمت أن أقرأ ولو بعضها، كتاباً، بعد آخر، متى سنحت الفرصة لي. ثم أكتب ملخصاً سريعاً لبعضها.. راجياً أن يجد القارئ الكريم فيما أكتب بعض ما قد يفيد.

والواقع، أن تحليل محتوى كتاب في مقال صحفي لا يفي الكتاب حقه، ولا يوضح، ويلخص أهم مزاياه، وعيوبه، ولكنه يلقي الضوء على الكتاب المعني، ويلفت النظر إلى موضوعه الرئيس، لمن يهمه الأمر. أما تحليل أي كتاب تحليلاً علمياً ونقدياً ضافياً (Book Review) فمكانه الدوريات العلمية، وليس الصحف السيارة. وقد يسعفني الوقت، وتمكنني الصحة، من كتابة تحليلات علمية، لبعض الكتب، على الأقل. وليس القصد بالكتابة هنا تقديم مجاملة لأحد، أو محاباة لإنتاجه، بل إن المقصود هو التقييم الانتقادي السريع لمضمون كل كتاب، والإشارة (وربما الإشادة) للمعلومات التي أعتقد أنه يستحسن للمثقف السعودي الاطلاع عليها، ولو من باب المعرفة بالشيء، وأخذ الحكمة من التجارب الناجحة. كما أن الكتابة عن الكتب قد تبعدنا بعض الشيء عن الخوض في «السياسة»، هذا المجال الشائك، وإن كنت أؤمن بان السياسة داخلة، بالطول والعرض، في كل شيء، بما في ذلك «مذكرات» النخبة.


****

وقد اخترت اليوم كتاب الزميل والصديق معالي الدكتور فهاد بن معتاد الحمد، الذي أصدره مؤخراً، وهو بعنوان: خلاصة الأيام (الرياض: مركز عبدالرحمن السديري الثقافي،1442هـ).

يقع الكتاب في 213 صفحة من النوع المتوسط. وهو مليء بالصور الفوتوغرافية عن الحياة الخاصة والعملية لمعالي الدكتور فهاد. ومن الوهلة الأولى، نجد مضمون الكتاب سيرة ذاتية مختصرة لكاتبه، بالإضافة لكونه يحفل بالمعلومات، والمواقف التي مورست فيها الخبرة، والمعرفة، بما يفيد من يخوض تجارب مشابهة.

قسم هذا الكتاب إلى: ثمانية فصول، أو نقاط، كانت عناوينها ومواضيعها كما يلي:

- حكايات تسبق المسيرة: حيث تطرق الكاتب إلى تقاعده من العمل الحكومي، بعد أن قضى خمسة وأربعين عاماً في الخدمة. ثم بدأ التفكير فيما سيعمله في فترة التقاعد، ومن ذلك كتابة سيرته الذاتية.

- الجذور: ولد وترعرع في المدينة الجميلة سكاكا، عاصمة منطقة الجوف. وفيها عاش طفولته، وبداية شبابه. عاش والداه معاً قرابة ستة عقود. وأثمر زواجهما عشرة من الأبناء، توفى أربعة منهم، في مرحلة مبكرة من العمر، وبقي ثلاثة أولاد (أكبرهم فهاد)، وثلاث بنات.

- ذاكرة المكان وزمن الصبا: وفي هذه الفقرة، لخص أهم ملامح مسقط رأسه، والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي سادت في المنطقة، إبان تلك الفترة. حيث كانت الحياة بسيطة، وتتسم بشظف العيش.

- بين كتاب ومعهد: بدأ كاتبنا أولى خطواته نحو التعليم من خلال الكتاتيب، ثم التحق بالتعليم النظامي الناشئ. حيث حصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية. ثم التحق بالمدرسة المتوسطة بسكاكا. وسافر إلى الرياض للالتحاق بالمدرسة الثانوية. وبعد تعذر التحاقه بالتعليم العام، التحق بمعهد التربية الفنية بالرياض، وتخرج منه، وبدأ أولى خطوات العمل، مدرساً للتربية الفنية بالمدرسة المتوسطة الثانية بمسقط رأسه.

- في مسارات العلم والعمل: طموحه دفعه للعودة إلى مسار التعليم العام. وحصل على شهادة الثانوية العامة، وهو على رأس العمل. ثم التحق منتسباً بكلية الاقتصاد والإدارة، بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وتخصص في مجال «الإدارة العامة». حصل على درجة البكالوريوس عام 1399هـ. وانتقل قبل ذلك للعمل بقسم المحاسبة بإدارة التعليم بالجوف.

- في معقل الإدارة: ثم التحق للعمل في «معهد الإدارة العامة» بالرياض، عام 1400هـ. وضمن له المعهد الابتعاث إلى أمريكا، لإكمال دراسته العليا. وعاد بشهادة الدكتوراه، وعين عام 1417هـ نائباً لمدير عام المعهد للبحوث والمعلومات.

- عقد من الشورى: وبتاريخ 3/‏3/‏1426هـ، عين عضواً بمجلس الشورى. ثم مساعداً لرئيس المجلس، بدءاً من 18/‏1/‏1433هـ.

- وأصبحت وزيراً: بتاريخ 16/‏2/‏1436هـ عين وزيراً للاتصالات وتقنية المعلومات. وبعد 52 يوماً تضمنت إعادة تشكيل مجلس الوزراء تعيين الدكتور محمد إبراهيم السويل وزيراً للاتصالات وتقنية المعلومات. وابتداء من 9/‏4/‏1436هـ، تقاعد الدكتور فهاد، وبدأ في تكريس وقته للاطلاع والقراءة، ورعاية عائلته.

إضافة إلى ذلك، أورد بعض الذكريات، والإنجازات، وما قدمه من جديد. وأنهى كتابه بـ«خلاصة من حوارات صحفية»، و«مسارات تكمل المسيرة».

****

قال، في نهاية كتابه، ملخصاً طبيعة مسيرته العلمية والعملية: «مع شح الإمكانات المالية، وصعوبة الحياة، التي قدر لي أن أعيشها في طفولتي.. إلا أنني لم أجد نفسي، في أي مرحلة... مهتماً بالتجارة... للحصول على عوائد مالية، تحقق لي رغد العيش الذي كنت أفتقده... بينما انشغل الذهن بالتفكير في أمور وموضوعات تتصل بالدراسة، أو العمل. فإكمال الدراسات العليا، وتتويج ذلك بشهادة الدكتوراه، كان حلماً كبيراً وضرورياً لمرحلة طويلة من عمري...

أما على الصعيد الوظيفي، فإن ما تحقق على أرض الواقع، فاق كثيراً ما كنت أرنو إليه. إذ حدثت تحولات كبيرة وعميقة، وغير متوقعة، في هذا المجال. فمن وظيفة «مدرس» بالمرتبة الخامسة، عام 1391هـ، أصبحت عضواً بمجلس الشورى، فمساعداً لرئيس المجلس، ووزيراً وعضواً بمجلس الوزراء عام 1436هـ، مجتازاً طريقاً وعراً وطويلاً، تطلب الكثير من الوقت والصبر والمثابرة».

تلخص هذه النبذة من السيرة الذاتية لأحد مواطني هذا البلد المبرزين، جانباً من تطور بلادنا المجتمعي، والحضاري الإيجابي، خلال العقود الستة الماضية. وتلقي بعض الضوء على الحياة في الماضي القريب في جزء عزيز من بلادنا. وهي مسيرة تصميم، وكفاح، وتطلع للأمام. أنها قصة أحد رجالات هذه البلاد الطموحين والعصاميين، الذين أثروا العلم على مغريات الحياة، وكرسوا علمهم وعملهم لخدمة بلادهم. فكرمتهم بلاد الوفاء بالثقة الغالية، التي مكنتهم من مواصلة العطاء، وأمدتهم بالتشجيع، فتفانوا في خدمة الوطن، والعمل على رفعته.