ننتظر العوض في أشياء صغيرة أكثر مما ننتظره في الخسارات الكبيرة.. نردد: «سيأتي العوض»، كأننا نحتاج مسكّناً نتمسّك به كي لا تنهار تفاصيلنا دفعة واحدة.. نمارس هذا الانتظار بتلقائية غريبة في حياتنا اليومية.. نتجاوز علاقة انتهت أو خيبة مؤلمة، ونواسي أنفسنا بأن القادم أجمل، وبأن الحياة ستُعيد التوازن في وقت ما.. نفقد ما تعودنا عليه، ونؤجّل الحزن الحقيقي على أمل أن يستدركه شيء آخر، شخص جديد، فرصة بديلة، شعور قريب، أو طمأنينة تشبه القديمة.. نُقنع أنفسنا أن ما ذهب لا بد أن يعود بصورة أفضل، وكأن الحياة تحفظ حساباتنا وتردّ لنا ما خسرناه عدلاً بعدل.
مع مرور الوقت؛ نكتشف أن هذا الانتظار يطيل الفقد أكثر مما يخففه.. إننا لم نكن ننتظر «العوض» بقدر ما كنا نبحث عن نسخة بديلة تُسكت الألم؛ نفس الشعور، نفس المكانة، نفس الاهتمام، نفس الإحساس بالأمان.. ومع أن الأسماء قد تتغير، والتفاصيل تتبدل؛ إلا أن الحياة نادراً ما تعيد الأشياء كما كانت!، فلا أحد يُعوِّض أحداً، ولا مرحلة تُعوِّض أخرى، ولا تجربة تُلغِي ما قبلها.
المشكلة ليست في الإيمان بالعوض بقدر ما هي في تصويره كبديل مباشر، كأن الفقد فراغٌ لا يُحتمل، بينما هو في حقيقته مرحلة انتقالية لم نتعلّم كيف نعبرها بعد..
الأشياء في حياتنا لا تُعوِّض بعضها، لكنها تُعيد تشكيلنا.. الحياة تستمر بأشكال أخرى وبإيقاع مختلف وبنسخة منّا لم تكن لتتشكل لولا ما فقدناه في الطريق.. ربما لا يأتي العوض كما ننتظره، ولا بالصيغة التي نتوقعها.
حين نتوقف عن سؤال: «متى سيأتي العوض؟»؛ سنبدأ في العيش.


