تشير دراسات الحوكمة المؤسسية العالمية إلى أن تعثر المؤسسات لا يرتبط غالباً بغياب الهياكل التنظيمية أو ضعف الأنظمة، بقدر ما يرتبط بخلل في ممارسة الأدوار الإدارية. فالحوكمة في جوهرها؛ تقوم على وضوح الصلاحيات، واستقلالية القرار، والمسؤولية القابلة للمساءلة، لا على الأشخاص أو المواقع.

في بعض الشركات، يظهر نمط إداري يتمثل في وجود موقع أعلى من حيث الشكل، بينما تُمارس عمليات التوجيه الفعلي وصناعة القرار من قبل أطراف أخرى داخل المنظومة. وضمن هذا السياق؛ يبرز نمط إداري مقلق يمكن وصفه بـ»الرئيس الذي يحتاج إلى رئيس»، وهو المسؤول الذي يشغل موقعه شكلياً، في حين تُدار القرارات فعلياً من قبل دائرة ضيقة من المنتفعين. في هذه الحالة؛ لا تُبنى القرارات على البيانات أو التقييم الموضوعي، بل على ما يُملى أو ما يحقق توازنات داخلية لا تمت بصلة للمصلحة المؤسسية.

تؤكد مبادئ حوكمة الشركات أن القرار المؤسسي ينبغي أن يستند إلى سياسات معتمدة وتوصيات مهنية موثقة بعيداً عن التأثيرات. وعندما يضعف الفصل بين الصلاحية الرسمية والتأثير الفعلي، تتآكل النزاهة المؤسسية تدريجياً، ويزداد خطر القرارات الانتقائية التي قد تؤدي إلى إقصاء كفاءات أو تحجيم أدوار دون مبررات مهنية واضحة، وهو ما يُعد أحد أنماط الفساد الإداري غير المباشر.

وقد أظهرت تجارب عالمية موثقة خطورة هذا الخلل. ففي حالة شركة Enron، سبق الانهيار المالي ثقافة إدارية أقصت الأصوات المهنية، وسمحت بتوجيه القرار عبر دوائر ضيقة. كما كشفت فضيحة Wells Fargo، أن ضعف استقلال القرار التنفيذي ومعاقبة المعترضين أسهما في تكريس ممارسات غير نظامية أضرّت بسمعة المؤسسة. وفي اليابان، أظهرت قضية Toshiba كيف أدى التوجيه غير الرسمي إلى فضيحة محاسبية وخسائر مؤسسية جسيمة.

إن المؤسسات التي تطبق الحوكمة بفاعلية لا تعتمد على مناصب شكلية، بل على أدوار واضحة، وصلاحيات محددة، وقرارات يمكن مساءلتها وتتبع منطقها. فحين يفقد متخذ القرار استقلاليته، تصبح إعادة ضبط منظومة الحوكمة ضرورة تنظيمية لحماية النزاهة والثقة والاستدامة.

الشركات بين استقلالية القرار والمناصب الشكلية:

القرار المؤسسي

لا بد أن يستند إلى سياسات معتمدة وتوصيات موثقة

تطبيق الحوكمة

لا يعتمد على مناصب شكلية إنما على أدوار واضحة

ضعف الفصل

بين الصلاحية الرسمية والتأثير الفعلي يسبب فساداً إدارياً

دائرة المنتفعين

تبنى قراراتها على توازنات بعيدة عن المصلحة المؤسسية