تحتفظ حائل بذاكرتها في النار قبل الحجر، وفي الدفء قبل الطقس، منذ نار جدّهم الأول حاتم الطائي التي كانت تهدي الضيوف إلى موضع الضيافة. مدينة تعرف الشتاء عبر تفاصيله الصغيرة؛ رائحة الحطب، صوت الاشتعال في البيوت، وانتظار العاصفة حتى تهدأ، وحين تقرر السماء أن تتكلم، تهبط حبات البَرَد فجأة فوق الصحراء، وتعيد رسم المشهد ببياضٍ خاطف يغيّر ملامح الأرض والذاكرة معاً.

حائل والشتاء.. سردٌ من نار وبياض

في وسط المملكة، وتحديداً في حائل، يتشكّل الشتاء خارج القوالب المعتادة؛ هنا تصل العواصف الرعدية محمّلة بالبَرَد، فتغطي الأرض بطبقة جليدية كثيفة، تتبعها مشاهد ثلجية تمتد على الأودية والهضاب، ثم يكتمل المشهد مع الصقيع الذي يجمّد التفاصيل عند ساعات الفجر الأولى. هذه الصور توثّق ظاهرة جوية متكاملة، تتجاوز فكرة اللقطة العابرة إلى حضور بصري كامل.

البَرَد في حائل يظهر كحدث مكتمل العناصر؛ كتل جليدية ناصعة تستقر فوق الرمال الحمراء، نباتات صحراوية محاطة بالجليد، وتضاريس صخرية تحمل آثار التجمّد كما لو أنها في نطاقات عرضية بعيدة. الصحراء تدخل هنا في حوار مباشر مع الشتاء، وتكشف قدرة المكان على التحوّل المناخي العميق مع احتفاظه بهويته الأصيلة.

حائل والشتاء.. سردٌ من نار وبياض

وعند وضع هذه المشاهد في سياق عالمي، تتقاطع الصورة مع ريكيافيك في حضور العواصف، ومع هلسنكي في اتساع الغطاء الجليدي، ومع أوسلو في تدرجات الضوء فوق الثلج، ومع ستوكهولم في صفاء المشهد، ومع زيورخ في تباين التضاريس، ومع سانت بطرسبورغ في الامتداد الأبيض، ومع مورمانسك في قسوة البرودة، الفارق أن هذا المشهد يولد من قلب الصحراء، ويُعاد تشكيله فوق أرض اعتادت الجفاف والحرارة.

حائل والشتاء.. سردٌ من نار وبياض