-A +A
علي بن محمد الرباعي
أقسمت أمّه أن ولدها منظور، ووجّهت الاتهامات إلى أم زوجته الأولى، وقالت: عينها عيون بنت حرام، ما تلمح في شيء إلا تنثّر حثرته، وتقلل بركته، وتطلّع ريحة زفرته، فقال أبوه: والله ما أخلف مِلّته ودِلّته إلا هروجك ودلعك، فسألته: ليش أجل ما يقرين معه النسوان؟ فأجابها: علمه عند الله، ودّك أتنشّده عن خوافي، جوابها ما يسرّ الناشد، ولا يجمّل المنشود، أضافت: أخاف أنه يمزى منهن! قال: جهدا، ولا أكثر من مزاه إلا مزاك.

أبدت مخاوفها للأب من أن يقعد ولدها دون مره، وقالت: بعد ما طلّق ثنتين، ما عاد أحد بيرحب به، ولا بيزوجونه أهل القرية، ولكن ألمح له عند معارفك وصُدقانك، فقال: ما وراه إلا الشرهة داخل قريتنا، وإلا خارجها، ولدك ظنتي أنه مولود في (سادية) فقالت: لا تغدي تاهب في ولدنا عيرة، وتفضّح به بين ناس ياهبون عذاريب في اللي تتمارى الملائكة في خياله، فضحك، وقال: اجمعي حطب، و شُبّي شبوبه، وخلّيني نتحلّق أنا وانتي حولها، ونرجم النار بالحصى، ونردد (اطردوا سادِيَة، مرديَة رادية، وين هي غادية، تحتطب لأمها من ورا الحادية) ضحكت وقالت: باقي تتلهم روايا الأولين.


قال الأب لابنه: يا ولد الرحمن، أنت مرزقك على قدّ الحال، وتراني ما أحنّك إلا من الشرّ، والزوجات ما هم معدن واحد، فيهن (ذهب، وفضة، ونحاس، وحديد مصدّي) وأنت أخذت الأولّة (بنت حلال) تعطي ما تأخذ، وسمّيتها في عمرها، وغمّيتها في عيشتها؛ وما تشفّقت ونعم، ولا حمدت ربي ولا شكرته، على المخلوقة اللي تسوى مسوى، فكيتها افتكّوا عقل الشيطان؛ ثم زوجناك (آيه ما نسمع لها حس) وبنت أجاويد تأخذ وتعطي، وما أمدانا نوالفها وتوالفنا حتى تحارفت عليها، وبطنها قِرتها، وذلحين تدوّر الثالثة، والله إني أحقر تلقى شفّك، تراك في عيون الناس كما المندولة، وسُمعتك عند الحريم ؛ كما اللي في رجلك، معّينهم بك، وإن كان ماني واهم، ما عد معك إلا صكّة الركبة، إلا إن كان تقبل نزوجك (راجع) وإن طعتني خُذها بعيالها، أربّ الله يعقّلونك الورعان؛ إذا غلطت على أمهم.

عاد الأب من السوق، وتناولت الزوجة منه المقاضي، وقال: انصبي بغداك، واحتصي رجال بيتغدى معي، سألته: من هو؟ فقال: إذا جاء عرفتيه، طلب منه الفقيه خمسة آلاف ريال دُلالة، فقال: أبشر بها، ولكن سنّع لي الولد، ودخيلك تلمح له وحدة تِقعد رأسه، فقال: هات الخمسة آلاف وازهله، فأخرج محفظته، وناوله كل ما بداخلها، وأكد عليه، نبغي حُرمة عين عُنّة، فوضع إبهامه على خشمه، وأفلح الفقيه من عنده وما ردّ الرأس، لا صبيّه ولا ماليّه.

كثيراً ما ردد أبوه على مسمعه: (تباركوا بالنواصي والأقدام والبعض من الذُّريّة) وربما رفعه لمرتبة حديث نبويّ، لكن الشاب قليل خبرة، وثقته في عاطفة أمه أقوى من اطمئنانه لعقل أبيه، وعندما لقيت له أمه بنت دلوعه، ومعها راتب، رفضها في البدء؛ لعدم قناعته بجمالها، فقالت: خُذها ما تندم ما نقص من خدّها يكمّله نقدها.

كان أبوه بتجربة الخبير بالأنساب، متحفظاً على الاقتران بفتاة، جدتها لأمها كانت سبب فقر أيسر عائلة في مُحيطهم، وعمّتها فرّقت بين زوجها وبين أهله، وخالتها دفعت زوجها للهجرة والتغرّب، عن أهله وعياله وحلاله، فقال: معها راتب يا به، وبتخفف عني المصاريف، فقال الأب: (يا مدوّر للمكاسب رأس مالك لا يفوت).

قالت أمه للعروس: يكفيكم ولد واحد، وإلا، خُذي لك (نسمه) بين بطن وبطن، فقالت أُمها: الذريّة بركة ورزقهم على من يرزق (الحيتان في الغدران، والذيابه في الشُعبان، والديبان في الغيران) كثّرت عليه الخِلفة والطلبات، فاشتكى لأبيه، قال الأب: المثل يقول: الأوّلة درّابة، والثانية جِرّابة، والثالثة بين عيونك.

لم تخبره أنها وُلدت بعيب خلقي (ثقب في القلب)، وبانتهاء شهر العسل، طلبت منه مبلغاً تشارك به أخاها في مشروع تجاري، فأعطاها، وسرعان ما تبخّر المشروع، وضاعت المساهمة، فانفعل، فحذّرته من استفزازها؛ لأن قلبها مثقوب، وبدأت تغنّي له بصوت حنون (بشويش على قلبي بشويش)، وبعد شهر حوّلت من حسابه عشرة آلاف ريال في حساب أختها مباركة في زواج بنتها، شاف الرسالة، فانتفض وصيّح عليها، فغنّت له (بشويش على قلبي بشويش) وبعد شهرين، طلبت منه خمسة آلاف ريال تحطها مع أخواتها في جمعية، على أن تعيدها له في نهاية الشهر السادس، وراح الشهر السادس، والسابع، ولا حس ولا ونس، فكاد يزل لسانه، فسبقته (بشويش على قلبي بشويش). انتبه أبوه لحاله وسأله: حالك ما يسرّ؟ فقال: مدري منين ألقاها، وكيف أوزّع راتب الجن بين الشياطين (أقساط وفواتير، وزوجة فالتة) هات، هات، فقال الأب: ما يرزى يا رجّال (إذا أخطاك عام جاك عام توالي).

رفعت سقف مطالبها، ولا يخلو أسبوع من تمرير رسالة (أمي ودّها، آخي يبغي، وأختي محتاجة) وإشعارات السحب، أشغلته، فشعر بالقلق، وقال: اسمعي من اليوم ورايح، والله ما عاد يغنّي لك إلا أنا (بشويش على جيبي بشويش).