-A +A
رامي الخليفة العلي
خلال حفل امتلك كل عناصر الإبهار انطلقت في العاصمة القطرية الدوحة منافسات كأس العالم لكرة القدم، وهذه هي المرة الأولى التي يقام فيها المونديال في دولة عربية أو إسلامية. لا شك أن الحفل أثلج صدر الكثيرين وهم يتابعون دولة عربية تنجح في استضافة حدث عالمي، وما أثلج الصدر أكثر هو اجتماع قادة المنطقة على الشرفة الرئيسية، بما يشير أن العلاقات العربية البينية افتتحت صفحة جديدة، أو لنقل استكملت المسار الذي بدأه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في قمة العلا. دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لم تتقدم الركب العربي وحسب، بل حجزت مكاناً لها في العالم المعاصر، وما مشروع نيوم في المملكة ومعرض إكسبو في الإمارات وكأس العالم في قطر إلا التجلي الأخير لمسار استغرق عشرات السنين. فمنذ النصف الثاني من القرن العشرين بدأت منطقة الخليج العربي تأخذ مكانها في العالم العربي وعلى الصعيد العالمي، حتى وإن كانت الريادة لمصر وبلاد الشام ولكن هذا لم يستمر طويلاً، لوجود ثلاثة عوامل لم تتوفر في الدول العربية الأخرى، أولها الاستقرار السياسي الذي كرسه بداية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، من خلال توحيد المملكة ثم تلاحق بناء الأنظمة السياسية في منطقة الخليج. أما العامل الآخر فهو الطفرة النفطية التي جرّت على شبه الجزيرة العربية عائدات ضخمة، مكنت في المرحلة الأولى من تشييد البنية التحتية وبناء الإنسان الخليجي من خلال الاهتمام بالتعليم. العامل الثالث هو الإدارة، فدول الخليج العربي كان لديها بناء إداري مرن وقدرة على التكيف مع كافة المتغيرات التي عصفت بالمنطقة سواء سياسية أو اقتصادية.

أدركت دول الخليج العربي أن النفط سلعة ناضبة، وأن الاعتماد الكامل عليها سوف يؤدي إلى نتائج وخيمة من الناحية الاقتصادية في المستقبل المتوسط والبعيد. فبدأت هذه الدول تبني خططاً تنموية تجعل من بلادها مركزاً مالياً وسياحياً واقتصادياً، ولعل المعنى المراد يمكن ملاحظته في الخطابات المتتالية للأمير محمد بن سلمان، وخصوصاً أثناء شرحه لرؤية 2030، ولكن هذه الرغبة كانت تتطلب انفتاحاً اجتماعياً بحدوده الدنيا، حتى تصبح هذه البلاد مركزاً جاذباً عالمياً. القضية ليست خلافات أيديولوجية أو رؤى عقائدية وإنما هي حاجة اجتماعية واقتصادية لا مناص منها. وبالفعل خطت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة خطوات واسعة في هذا الإطار. قطر كما بقية شقيقاتها تدرك أن الاعتماد على النفط والغاز ليس حلاً دائماً وهي تريد أن تبني اقتصاداً موازياً يستطيع أن يؤمن الاستمرارية والديمومة، المشكلة أن الدوحة مكنت جماعة الإخوان المسلمين من وسائلها الإعلامية، فراحت ترسم نموذجاً سياسياً واجتماعياً يقف بالضد من متطلبات التنمية المستدامة، وخلق مركز مالي واقتصادي وإعلامي. لذلك بدت الدوحة حائرة بين نموذج منفتح تفرضه الاستضافة لكأس العالم ونموذج منغلق جرى تكريسه على مدى سنوات طويلة، فأصبحت المهمة عسيرة للغاية. وبالمناسبة هذا النموذج الإخواني هو نموذج طارئ ولكن تمكينه أدى إلى تجذره وجعله عقبة في وجه إستراتيجيات حكومية طويلة الأمد. ولعل التوصيف الأكثر دقة جاء على لسان الأمير محمد بن سلمان عندما قال: «سنعود إلى ما كنا عليه، سنعيش حياة طبيعية، تترجم ديننا السمح وعاداتنا الطيبة، ونتعايش مع العالم، ونساهم في تنمية وطننا».