-A +A
أسامة يماني
الشعوب الحية تكون مجددة تغيرية تجويدية متطورة.. هذا الحراك ينعكس على كل نواحي الحياة من علم وفن وموسيقى وآداب وألعاب ومناسبات وخلافه. لهذا سعى أهل الغفوة إلى تعطيل الحيوية والتجديد في عالمنا الإسلامي حتى أصبحت الأمة الإسلامية أمة هامدة راكدة تعيش في التقاليد البالية والمفاهيم المغلقة العتيقة، أمة لا حراك فيها تتعدى عليها الأمم. ورغم وضوح هذه الحالة المرضية إلا أن أهل الغفوة والأيدلوجية التي تسيطر وتتحكم في عقول أتباعها لا ترى هذا السبات والموت السريري، الأمر الذي فاقم هذا المرض العضال وزاد من هذا أن كثيراً من المؤسسات الدينية التي تطبق على المجتمعات الإسلامية تحرم حراك مجتمعاتها والتجديد، وتبارك ركودها ونومها وغفوتها حتى تستمر سيطرتها وتحافظ على مصالحها، مما يجعل الخروج من هذا الجمود شبه مستحيل إلا بوجود قائد فذ ذي فكر مستنير؛ كما هو الحال في مملكتنا الحبيبة.

ومن المعلوم أن الاحتفالات والمناسبات الرسمية التي ترعاها الدولة، تعبّر عن مدى تمدُّن هذه الدولة أو تأخرها، كذلك يعبر الشكل الاحتفالي بالمناسبات المختلفة على مدى ترابط الشعب المعين أو تفككه، وفي ما يسمى بالعصر الجاهلي كانت الاحتفالات تقام في مكة فتضرب الدفوف والمزامير والغناء التي جاء ذكرها في الأغاني لأبي فرج الأصفهاني والعقد الفريد لابن عبده وغيرهما. وفي العهد النبوي احتفل المسلمون بالمدينة بإقامة بعض الألعاب، والحفلات الغنائية، وتجملوا وذبحوا الذبائح. وكذلك الحال في مكة فقد ذكر الفاكهي في (تاريخ مكة) عن الاحتفالات مثل: (ذكر قول أهل مكة في السماع والغناء والأعراس والختان)... وذكر أن أهل مكة كانوا يحتفلون بالأعراس والختان ويستمعون للغناء والشعر في الجاهلية والإسلام. وفي العهد الأموي احتفل أهل الذمة بأعيادهم في جوٍّ من الحرية والتسامح، وكان المسلمون يشاركونهم في أعيادهم وخاصة النصارى منهم، فقد كانت هذه الأعياد فرصة طيبة لنزهة المسلمين، وخاصة أن الأديرة كانت تحفل بالحدائق اَلْغَنَّاء، والبساتين اليانعة.


كما أن الأعياد والمناسبات الفرعونية كان لها شأن كبير في مصر، فقد استخدم المصري القديم كلمة «حب» وتعنى «عيد»، وكلمة «حب نفر» وتعنى «عيداً سعيداً». وكانت الأعياد تُسجل عادة داخل المعابد المصرية في صالات الاحتفالات، أو تكتب على ورق البردي. وتوضع في مكتبة المعبد «بر عنخ» مثل قوائم الأعياد المسجلة في المعابد الملكية من عصر الدولة الحديثة. ومن أقدم العادات والتقاليد التي ظهرت مع الاحتفال بالأعياد، صناعة الكعك والفطائر والبيض في عيد شم النسيم الذي انتقل للمسلمين في مصر.

هكذا الشعوب المجددة والمتطورة تعتني وترعى المناسبات؛ وهو الأمر الذي صاحب نشوء الدولة الإسلامية وحتى ازدهارها. غير أن أهل الغفوة كانوا ضد التغير والتطوير والتجديد وحرص بعض الفقهاء والمتكلمين والرواة منهم على ذم الفرح والمناسبات وعدم ذكرها في كتاباتهم ورواياتهم.

إن الاحتفال الذي جرى في موسم الرياض «ويكند الرعب» أثار جدلاً كبيراً وحراكاً فِكْرِيّاً في السعودية، بل وفي العالم العربي والإسلامي. وقد انقسم هذا الحراك إلى ثلاثة مجاميع مجموعة ترى حرمية هذا الاحتفال، ومجموعة تؤيد هذه الاحتفالية، وأخرى ترى أنه ردة فعل على المبالغة في التحريم الذي عاشه المجتمع في السابق.

إن المناسبات تكشف مدى تمدن الدولة أو تأخرها، كذلك يعبر الشكل الاحتفالي بالمناسبات المختلفة على مدى ترابط الشعب أو تفككه. لهذا فإنني أرجو أن تتبنى كل الجهات المعنية المناسبات وترعاها وتقيم الاحتفالات بجميع أشكالها وألوانها خاصة أن لدينا مخزوناً كبيراً حاول أهل الغفوة إخفاءه وطمسه.