-A +A
محمد مفتي
منذ أن أعلنت دول أوبك بلس عن قرارها المتعلق بتخفيض إنتاج النفط، يكاد لا يمر يوم إلا وتتلقى المملكة قدراً لا يستهان به من النقد واللوم من الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن قرار أوبك بلس قرار اقتصادي شكلاً وموضوعاً -وهي حقيقة غير قابلة للجدل من منظور أي محلل محايد موضوعي- غير أن الدول الغربية تصر يوماً بعد يوم على تسييسه وإلصاق الكثير من الإسقاطات غير المنطقية عليه، مدعية أنه قد تم اتخاذه خصيصاً لمحاربتها وإلحاق الأذى العمدي بمصالحها ومصالح شعوبها.

تتناسى الدول الغربية أن قرارات زيادة أو تخفيض الإنتاج هي أمر دوري وطبيعي، ومن أجله تأسست تلك المنظمة التي يتعين عليها موازنة الأسعار في السوق العالمية اتساقاً مع قانون العرض والطلب، وذلك حتى لا تتعرض الأسعار للانهيار وهو الأمر الذي لا يصب في مصلحة الجميع، ومن المؤكد أن القرار الأخير للمنظمة بخفض الإنتاج لم يكن الأول في تاريخها، غير أن الولايات المتحدة رغم معرفتها الجيدة بهذا الأمر فإنها لا ترغب في تقبله بشكل محايد أو منطقي، فكل ما يهمها هو إبقاء سعر النفط منخفضاً ليرضى الناخب الأمريكي ويقوم بإعادة انتخاب الحزب الحاكم مرة أخرى، فالإدارة الأمريكية لا يهمها سوى رضا أو سخط المواطن الأمريكي الذي يعتبر بالنسبة لها مجرد صوت انتخابي، أما مصلحة الدول المصدرة للنفط أو حياة مواطنيها فهو آخر ما يشغل بال هذه الإدارة.


من المؤسف ألا تجد الإدارة الأمريكية أمامها من حلول لعلاج تلك الأزمة -على الرغم من أنها السبب الرئيسي في اندلاعها والمحرك الأساسي لاستمرارها- سوى الضغط على بعض الدول لتحلها لها على حساب مصلحتها ومصلحة شعوبها، وهذا الضغط لم يتخذ سوى صورة مقيتة ممثلة في رغبتها في تطبيق سياسة الابتزاز والاستغلال، وهو أمر معتاد من الإدارات الأمريكية على اختلافها، وتقوم خلاله الولايات المتحدة بالتلويح بسياسة فرض العقوبات أو وقف تصدير السلاح أو الانسحاب من التحالفات العسكرية وغيرها.

خلال السنوات الماضية دأبت مليشيا الحوثي -مدعومة من إيران- بشن هجوم متعمد على أراضي المملكة العربية السعودية مستخدمة صواريخ وطائرات مسيّرة متقدمة أشك كثيراً في قدرتهم على إدارة تقنياتها الحديثة، ذلك أن الحوثيين هم مجموعة منشقة عن الحكومة الشرعية اليمنية وغير معترف بهم دولياً، وعلى الرغم من مناورة إيران بشأن هذه الاعتداءات وتحديها السافر للمجتمع الدولي، فإن أصابع الاتهام موجهة -بما لا يدع مجالاً للشك- لنظامها العدائي، ونتيجة لهذا الاعتداء السافر قامت المملكة قبل سنوات بشراء منظومة دفاعية من الولايات المتحدة للرد على تلك الهجمات المتكررة ومنعها من تهديد الأراضي السعودية.

على الرغم من أن الاعتداءات الإيرانية - الحوثية طالت مصافي تكرير النفط، ورغم أن ذلك يهدد بخفض إنتاج المملكة من النفط بسبب تلك الاعتداءات، إلا أن وعي المملكة بأهمية تدفق النفط ورغبة منها في عدم الإضرار بمصالح الدول الأخرى دفعاها إلى تحمل عبء إصلاح تلك المصافي لتعود للعمل بسلاسة، ويعود النفط للتدفق من جديد للدول المستفيدة، لكن المثير في الأمر أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لم تبدِ اكتراثاً بتلك الاعتداءات، ولم تحرك ساكناً أو تحاول بأي صورة منع تلك الأخطار أو حماية شرايين النفط العالمي من التهديد المستمر، بل -على العكس- لا يخفى على أي متتبع أنه منذ مجيء إدارة الرئيس بايدن والعلاقات بينها وبين الحوثي تتسم بالهدوء.

بعد قرار أوبك بلس الأخير أدهشني كثيراً دعوات بعض النواب الديموقراطيين للإدارة الأمريكية لكي تقوم الولايات المتحدة بسحب المنظومة الدفاعية من المملكة، والسؤال الذي تبادر إلى ذهني هو: لمصلحة من سيتم سحب المنظومة الدفاعية؟ الجواب التلقائي هنا هو: لصالح إيران وحليفها الحوثي، فهل سحب المنظومة الدفاعية سيفيد العالم ويخفض سعر إنتاج النفط؟ أم أنه سيعطي إيران وحليفها الضوء الأخضر لتهاجم المملكة؟.

هذه التصريحات التي أدلى بها النواب تمثل اعترافاً صريحاً من قبل بعض الساسة الأمريكيين بأن الولايات المتحدة تستخدم إيران وذيولها في المنطقة كـ «بعبع» وسكين في خاصرة المنطقة، ومن مصلحتهم الإبقاء عليه لأطول فترة ممكنة لابتزاز دول المنطقة وفرض شروطهم، ومن المؤسف أن تفكر دولة كالولايات المتحدة بهذا التفكير المخالف لكل الأعراف الدبلوماسية والقيم الإنسانية، وإذا افترضنا أن مجموعة أوبك بلس اتخذت قرارها بزيادة الإنتاج بدلاً من تخفيضه، فهل سيعني ذلك توقف نبرة نقد الإدارة الحالية للمملكة؟ الإجابة بالتأكيد لا، فالنقد بدأ حتى قبل أن تطفو مشكلة الإنتاج والأسعار على السطح، فقد تخفف الإدارة الأمريكية -وقتها- من وطأة نقدها وهجومها مؤقتاً، غير أنها ستعيد الكرة في مواقف أخرى.

تتغافل الولايات المتحدة عن حقائق موضوعية عديدة لعل أهمها هو أنها لا تحتكر إنتاج السلاح الحديث وحدها، وأن لها عدداً كبيراً من المنافسين ممن يتمنون أن تقوم دولة بمكانة ووزن المملكة بشراء السلاح منهم، غير أن قيادة المملكة العربية السعودية حكيمة ولا تقوم بخطوات عشوائية أو اعتباطية، فكل القرارات مدروسة جيدة وعلى نحو كافٍ، وإدارتها لشؤونها الداخلية والخارجية تتسم بالعقلانية، أما الأبواق المشبوهة فهي لن تزيد المملكة إلا إصراراً على ثبات مواقفها، غير عابئة أو مبالية بابتزاز البعض أو سعيه لإخضاعها أو استغلالها بأي صورة.