-A +A
أسامة يماني
لمعرض الكتاب أهمية بالغة في تنمية العديد من الجوانب الفكرية والإبداعية لدى أفراد المجتمع، كما يساهم معرض الكتاب في توسيع الثقافة والانفتاح على الفكر الآخر وما يعكسه على المجتمع والأجيال من وعي وثقافة. لهذا تقوم الدول بجهود كبيرة في سبيل إنجاح معرض الكتاب، وتوفير كافة الإمكانات اللوجيستية أو ما يعرف بالعربية (فَنّ اَلسُّوقِيَّات).

في فترة الغفوة كان معرض الكتاب فرصة لتكريس الجهل، وذلك بنشر أفكار وكتب تمثل لوناً واحداً واتجاهاً واحداً، وحرصوا على منع أي كتاب يخالف توجه الغفوة. كان ظهور رجال الغفوة في معرض الكتاب تأكيداً على سلطتهم وممارسة القهر والظلام ورفض الآخر. وبذلك لم يعد معرض الكتاب وسيلة لتوسيع المدارك والوعي والثقافة. بل أصبح معرض الكتاب وسيلة لنقل الجهل. حيث انتشرت كتب الخرافات وتمجيد وتقديس الأسلاف، وكتب تستنسخ فقهاً صالحاً لعصر السيف والرمح وأدوات وآليات ذلك العصر. كما أغرقوا معرض الكتاب بإعادة ونسخ الكتب القديمة ليظل جمهورهم حبيس فترة الحصان والدابة ومفاهيم ذلك العصر، في حين أن أهل ذلك الزمن السابق عملوا على تقديم أفضل ما عندهم وما هو متوفر حسب معارفهم وعلومهم، على عكس الغفوة التي حرصت على أن يظل جمهورها في سبات ونوم سرير عميق.


الغفوة وظفت معرض الكتاب لنشر فكرها ومنع أي فكر أو علم يتضارب مع طرحها. في فترة الغفوة لم يكن هناك اعتناء بالكتاب ولا مراكز البحوث ولا الإبداع والمبدعين. ولم يكن معرض الكتاب ملتقى سنوياً لنشر كل جديد، وإنما فقط لنشر كتب التراث التي لم تسلم من الانتقائية والحذف والمنع والتغييب لكل ما لا يروق لهم، أو يخالف توجه الغفوة لرغبتها في التحكم بالمجتمع وتغييبه عن العصر والتقدم والرقي. كانت الغفوة قوى مانعة ومعيقة للاقتصاد والإبداع والكتاب والفن وكل شيءٍ جميل.

الكتاب والنشر والثقافة كانت من المحرمات التي تعمل الغفوة على مصادرتها بشتى الطرق. فكانت تمنع دخول الكتاب لمجرد شبهة مخالفة توجهها. كانت الغفوة تخاف من الوعي والمفكرين؛ لهذا كانت تحارب الكتاب الذي ينشر الوعي كما تحارب الكتاب والمفكرين. ولا ننسى كيف حاربت المبدعين في الداخل والخارج ومنعت كتبهم، بل وألغت رسالة الدكتوراه بعد أن حصل عليها الدكتور سعيد السريحي بجدارة؛ لأن ما كتبه يخالف فكر الغفوة.

من آثار الغفوة على الجانب الثقافي أن جعلت السذاجة والتفاهة وغياب العقل الغالب للمشهد الفكري والثقافي؛ لهذا اقتحم كل من هب ودب فنَّ القصة والرواية. يقول المفكر إبراهيم البليهي: «الفن الروائي هو أعظم الفنون، وأغزرها فائدة، وأوفرها إمتاعاً، وأعمقها تأثيراً... إنه العمل الإبداعي الذي يستهدف التوغل في أعماق الإنسان وتجسيد نماذج إنسانية تنير للناس فهم ذواتهم، فالكاتب الروائي ليس مجرد شخص يجيد التعامل مع اللغة ويستطيع تطويعها من أجل البناء ولكنه يسبق علماء النفس في فهم طبائع البشر، فالشخصيات الروائية تُعَدّ مرجعاً لعلماء النفس للتعرف على النماذج البشرية......». لذلك ما زلنا نرى شواهد على آثار الغفوة وسطوتها التي تظهر في الفن الروائي وفي المواد الساذجة التي روجت لها الغفوة.

لا شك أن معرض الكتاب اليوم رجع إليه دوره الأساسي في نشر الوعي المعرفي والثقافة والأدب والفن، من خلال حضور المؤتمرات وورش العمل والمحاضرات والندوات الثقافية والأدبية، وأصبح يشكل نافذة ثقافية يتعرف العالم من خلالها على الثقافة السعودية.

المجتمع يحتاج مزيداً من الفعاليات والبرامج والأمسيات الشعرية مثل التي يوفرها معرض الكتاب والمصاحبة له؛ لما لها من أهمية في المساهمة بنشر الوعي المعرفي والثقافة.