-A +A
عبداللطيف الضويحي
على مدى عقود طوّر الكيان الإسرائيلي إستراتيجيته التوسعية في المنطقة والتي تقوم على قضم الأرض العربية بدءاً من فلسطين وما وراء فلسطين وما حولها بالقوة ومن خلال مواجهة أصحاب الأرض مباشرة في كل مرة حسب إمكاناته وقدرات هذا الكيان الغاصب على هضم ما يغتصبه كل مرة من أرض من خلال التهويد ومن خلال استغلال كل الموارد الطبيعية فوق الأرض وما تحتها على حساب السكان الأصليين بل وطردهم وتهجيرهم كلما أمكنه ذلك. وبعد إتمام هضم كل قضمة، يتمدد في النطاق المجاور في كل مرة يختلق ذريعة جديدة.

النظام الإيراني يتبنى نفس المشروع الإسرائيلي في سبيل تحقيق طموحاته الفارسية التوسعية، ولكن بطريقة أكثر ذكاء تنطوي على البسطاء، حيث يتم رفع شعار مواجهة المشروع الصهيوني. فهو يحتل الأرض احتلالا مباشرا كما هو الحال مع الجزر الإماراتية، بينما يستخدم إستراتيجية استمالة بعض الفئات الضعيفة والهشة اقتصاديا في مجتمعاتها بقرع طبول المظلومية، وبدلا من مساعدة وتمكين هذه الفئات اقتصاديا وتنمويا، يتم استغلال ظروفهم وتسليحهم وعسكرة شبابهم وأطفالهم لتخريب بلدانهم ودق إسفين الفتنة بين أبناء الشعب الواحد طائفيا، سياسيا، قبائليا، واقتصاديا وصولا إلى «الدولة الفاشلة»، حيث البيئة المناسبة للتمدد الإيراني والنفوذ الإيراني.


يشترك المشروع الإسرائيلي مع المشروع الإيراني كذلك بسرقة المياه والموارد الطبيعية في عدد من الدول العربية، ومنها فلسطين ولبنان وسوريا والأردن والعراق وبتناغم عجيب مع تركيا، مما يستوجب موقفا عربيا عمليا موحدا يساند دول المصب المتضررة ضد دول المنبع وضد السياسات الإيرانية والإسرائيلية القائمة على سرقة المياه وتحويل مجراها مما تسبب بأضرار بالغة ضد العديد من الدول العربية بما فيها مصر والسودان.

إذا كانت الدول العربية قد نجحت مؤخرا في التفكير بالتخلص ولو جزئيا من تبعات الأحلاف الدولية وتبعات الاستقطابات الدولية مع الإبقاء فقط على ما تقتضيه مصلحة الدولة العربية، فإنه وبنفس الأهمية، يجدر بدولنا العربية بأن تعمل على التحرر من التحالفات الإقليمية غير العربية، وعدم الإنجرار لتصديق أن أحد النظامين الإسرائيلي والإيراني يمكن أن يكون حليفا لأي دولة عربية أو أن أحد النظامين يمكن أن يَكُن خيرا لأي بلد عربي بأمنه وسلامه واستقراره وازدهاره. فالنظامان لديهما عقيدة توسعية عدائية وخاصة ضد العرب. ولمن يشكك، عليه أن يبحث عن إجابة على السؤال: كيف نفسر نزع برنامج العراق النووي من قبل الغرب ممثلا بإسرائيل، وغض النظر في الوقت عينه، عن البرنامج النووي الإيراني منذ عشرات السنين تحت أعين الغرب ورأس حربة الغرب في الوطن العربي «إسرائيل» وملأ سمعهم وبصرهم؟ وأنا أتحدى إيران من هنا أن تثبت للرأي العام العربي بأن أهدافها في الوطن العربي تختلف عن الأهداف والأطماع الإسرائيلية في الدول العربية!

من هنا على العرب أن يستمروا في البناء على نتائج قمة جدة بصرف النظر عمن في البيت الأبيض، من خلال تلمّس مشروع عربي حضاري يؤسس لنهضة عربية تتجاوز الإستراتيجية الدفاعية وردود الأفعال إلى إستراتيجية المبادرة والمبادءة. مشروع نهضة عربية صناعية رقمية اقتصادية اجتماعية ثقافية تنموية شاملة يكون محوره الأساسي برنامج نووي عربي.

لا بد من إستراتيجية نهضة عربية تتجاوز موقع الدفاع في مجابهة نظامين عنصريين في المنطقة لا يعترفان بالقانون الدولي ولا يحترمان التعهدات والمواثيق الدولية ولا يفهمان سوى لغة واحدة، لغة تتجاوز لغة الدفاع عن النفس وردود الأفعال وتأخذ زمام المبادرة.

لكي يخرج العرب من بين فكي الكماشة الإسرائيلية الإيرانية، لا بد من توضيح وتبني إستراتيجية بالغة الأهمية وهي أن خلافنا كعرب مع إيران ليس خلافا سنيا شيعيا، كما يريده وينظر له عرابو الشرق الأوسط الجديد ودايات الفوضى الخلاقة وكما تعمل إيران على استثماره والترويج له، ابتداء من مشروع احتلال العراق ووضع دستور بريمر الطائفي العنصري وفرضه على العراقيين، بل إن خلافنا مع إيران هو خلاف مع المشروع الفارسي التوسعي وليس خلافا سنيا شيعيا يراد له تقطيع أوصال الشعوب العربية وتهيئتها للاستقطابات.

إستراتيجية أخرى لا بد من أن يتم تبنيها في أبجدياتنا العربية وبديهيات علاقاتنا الدولية، وهي أن خلافنا مع إسرائيل لا علاقة له باليهود بالرغم من محاولات الإسرائيليين إلباس مشروعهم الاستعماري لباس الخلاف التاريخي اليهودي. يجب أن نتنبه ولا نضيع البوصلة، فخلافنا ليس مع اليهود كديانة، وإنما هو خلاف مع مشروع استعماري عنصري غربي يسمى إسرائيل وهو بكل المقاييس امتداد للاحتلال البريطاني ويجب العمل عربيا وفلسطينيا على تحميل بريطانيا مسؤولية زراعة هذا الكيان في فلسطين والوطن العربي.