-A +A
حمود أبو طالب
جاءت زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة لتنهي كثيراً من الجدل والتكهنات التي امتلأت بها وسائل الإعلام على مستوى العالم حول ما سيسفر عنها من نتائج، وقد أضاف لها المناخ الإعلامي المحموم الذي سبقها قدراً كبيراً من الترقب والإثارة إلى حد اعتقاد بعض المراقبين أنها لن تتم، وعندما تأكدت رسمياً ذهب بعض المراقبين إلى أنها ستكون زيارة مشوبة بالتعقيد عطفاً على الفتور الذي طرأ على علاقات البلدين والاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا والملفات بعد دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض.

لكن المفاجآت بدأت عندما ذكر الرئيس بايدن في مقاله بصحيفة واشنطن بوست قبيل بدء زيارته للمنطقة أنه سيزور المملكة لإعادة توجيه العلاقات وليس قطعها، في إشارة واضحة إلى شعور الطرف الأمريكي، بل اعترافه، بأن العلاقات كانت تسير في وجهة خاطئة بسبب سياساته تجاه المملكة، وأنه من الضروري إعادة هذه العلاقات الإستراتيجية التأريخية إلى مسارها الصحيح. وفي مفاجأة تالية ذكر الرئيس بايدن في مؤتمر صحفي قبل مغادرته إسرائيل إلى المملكة أن زيارته لها ليست محصورة على ملف النفط والطاقة بل لتعميق الشراكة الإستراتيجية معها.


حسناً، تلك كانت مجرد تصريحات قبل الزيارة، فماذا حدث خلال الزيارة. الجواب عن هذا السؤال نجده في ثنايا البيان المشترك الذي صدر مساء الجمعة بعد اجتماع الرئيس بايدن بخادم الحرمين الشريفين وجلسة المباحثات مع الجانب السعودي برئاسة ولي العهد. لغة البيان وأسلوب صياغته ومحاوره ومضامينه وشموله لأهم الملفات الثنائية والإقليمية والعالمية، كلها توحي بأن النبض قد عاد إلى شرايين العلاقات، وأن الطرفين حريصان على استمرارها بما يتناسب مع تأريخها وعمقها وقوتها، مهما حدث من خلافات طارئة أو عثرات عابرة. ولعل إحدى فقرات البيان المشترك تعبر عن وجهة نظر الطرفين تجاه علاقتهما عندما تقول:

«استعرض الجانبان العلاقات التاريخية والشراكة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، التي تأسست منذ ما يقرب من ثمانية عقود باجتماع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه - مع الرئيس فرانكلين روزفلت على متن البارجة يو إس إس كوينسي. واتفق القائدان على أهمية الاستمرار في تعزيز تلك الشراكة الإستراتيجية بما يخدم مصالح حكومتي وشعبي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. كما أكد الجانبان على الدور المحوري لهذه الشراكة التاريخية في تعزيز الرخاء والاستقرار في المنطقة. وأكد القائدان على أن الشراكة السعودية الأمريكية كانت حجر الزاوية للأمن الإقليمي على مدى العقود الماضية، وشدّدا على أن البلدين يتشاركان الرؤية ذاتها نحو منطقة مترابطة مع العالم يسودها الأمن والاستقرار والازدهار».

ولذلك، نتمنى أن تكون نتائج الزيارة نقلة إيجابية حقيقية في العلاقات بين البلدين، وأن تكون درساً لبعض الذين يحاولون إفسادها في مطبخ السياسة الأمريكية لصالح أجندات هامشية ودوائر تفكير ضيقة دون النظر إلى المصالح المشتركة الكبرى، عليهم أن يعرفوا جيداً أهمية وحتمية أن تكون علاقات أمريكا مع المملكة متزنة ومتوازنة وإيجابية يسودها التعاون والاحترام والثقة، لضمان تحقيق مصالح البلدين والاستقرار والأمن والازدهار في المنطقة.