-A +A
حسين شبكشي
في كل فرصة تجمعني بالجيل الشاب في بلادنا الغالية، وتحديدا من هم في الفئة السنية التي تكون في العشرينات والثلاثينات من عمرها، أدرك تماما أن هناك هوة هائلة تزداد اتساعا في الخطاب الفكري الديني الذي كان يقدم لنا وبين ما هو مقبول عقليا ومنطقيا لهذا الجيل الجديد.

اجتمعت منذ أيام بأحد أصدقاء المرحلة الدراسية وكان معه ابنه الأكبر وبعد الانقضاء من الأحاديث المعتادة بادرني صديقي بقوله إن ابني منغمر وبنهم شديد في القراءة المتعمقة فقلت له هذا شيء جيد، فأضاف ولكنه يسأل أسئلة صعبة.


وهنا تدخل ابنه في الحديث وقال هل يوجد رجال دين في الإسلام؟ أجبته لا يوجد رجال دين بالمعنى التراتبي الموجود في الأديان الأخرى، فقال لي ولكن هناك لقب شيخ الإسلام الذي تم إطلاقه وتكريره على ابن تيمية حتى أصبح يعرف به. قلت له هذا اللقب كان يطلق على العلماء المجتهدين الكبار من باب الإجلال والاحترام والتقدير منذ وقت بعيد ولكنه مع الوقت تم حصره في شخص ابن تيمية، فقلت له لماذا تسأل؟

قال لأني قرأت إحدى فتاواه والتي كانت تكفر من يجهر بالنية في الصلاة وأنه يجب استتابته وإذا لم يتب وجب قتله، ووجدت أن هذا رأي متشدد، فقلت له ابن تيمية ليس بنبي فهو مجرد مجتهد يفتي بما أوتي من العلم.

أضاف مقاطعا فهمت ذلك ولكن ما أقلقني هو اختزال الفكر الإسلامي في «شيخه» بينما عندما توسعت في قراءاتي وجدت أن هناك نماذج فذة مثل ابن سينا وابن الهيثم والكندي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم الذين قدموا إسهامات علمية عظيمة للبشرية وكانوا في نفس الوقت محافظين على دينهم وفاهمين لأحكامه.

وبينما كنت أقرأ عن «التفاخر» بسيرتهم لم أستطع إخفاء حسرتي وتعجبي من التشكيك في عقيدة بعضهم والتحقير من علوم بعضهم وادعاء البعض عليهم بأنهم صرفوا جهودهم للدنيا ولعلوم لا تنفع.

وحزنت على عمر مضى لم نتعلم فيه مساهمات عظماء المسلمين السابقين بإنجازاتهم الهائلة مثلما تم التركيز على شيخ الإسلام وفكره. فكرت فيما قاله وأدركت أن الجيل الجديد والذي لا يمكن حشو رأسه وغسل دماغه بأفكار بعينها، سيبحث ويقرر بنفسه أين تكمن الحقيقة وبالتالي تكوين الصورة الكاملة، لأنه اليوم لديه وسائل البحث للوصول إليها وعليه لن يقبل أي فكرة لا تحترم عقله في المقام الأول.

الخلاصة التي توصلت إليها مع صديقي أننا لو ركزنا على النماذج الأخرى من علماء المسلمين بالقدر نفسه الذي تم التركيز فيه على ابن تيمية كانت ستكون لدينا فكرة أوسع وأوقع عن ثراء وتنوع الفكر في ديننا الإسلامي وهذا كان سيكون في حد ذاته إنجازا مهما.