-A +A
أسامة يماني
قد لا يرى البعض أن هناك تشابها وتقاربا بين هذين الفكرين لا من قريب أو بعيد. لكن بقليل من التدقيق والتمحيص يظهر لنا مقدار التشابه في كثير من المنطلقات الفكرية والمرتكزات والقناعات الأيديولوجية وإن أختلفت بضاعتهم التي يسوقون لها. حيث إن أهل الغفوة يدعون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة وأنهم على حق وغيرهم على باطل. كذلك الغرب يدعون أنهم أهل الديمقراطية والإنسانية والفرقة الناجية من الديكتاتورية. وكما ضلل أهل الغفوة المجتمعات الإسلامية وألحقوا الضرر بها وأغلقوا فكر وعقل مجتمعاتهم حتى أصبحت السمة الغالبة على المجتمعات الإسلامية أنها لا تقبل الفكر النقدي ولا تقبل المخالف والاختلاف في الفكر ظنا منها أنها تملك الحقيقة.

كذلك ضلل الفكر الغربي مجتمعاتهم وجعلوهم يؤمنون بأنهم الديمقراطية الحقيقية والإنسانية والرحمة وسيادة القانون ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا إقناع العالم أنهم الخير الوحيد للبشرية وأن على الجميع الاقتداء بهم وبنهجهم ونظمهم وديمقراطيتهم. فبشروا بالربيع العربي وعملوا على الفوضى الخلاقة التي وعدوا الشعوب العربية بأنها ستكون جنة الديمقراطية التي توفر الأمن والأمان والحور العين التي تسكن إليها الأنفس.


نعم، لقد فضحت العمليات الحربية كما يسميها الروس أو الحرب على أوكرانيا كما يطلق عليها الغرب الوجه القبيح والقناع الذي يغطي به الغرب الوجه الحقيقي البشع. فحرية الإعلام تلاشت وتم قفل جميع القنوات الروسية ومنعت بدون حكم قضائي من ممارسة حقها في إيصال وجهة نظرها. كما صودرت أموال المواطنين الروس في الغرب لمجرد أن جنسيتهم روسية، وجرى فصل الموظفين الروس من وظائفهم بدون حكم قضائي، وحرم البعض من مغادرة البلاد، كما منع الطلبة الروس من التعليم في الجامعات الغربية.

كما كشفت هذه الحرب العنصرية الأوروبية والغربية التي كانت تتغنى بالإنسانية والمساواة. حيث ظهر ذلك جليا من خلال المكينة الإعلامية العربية عند نقلها أخبار اللاجئين الأوكرانيين.

الكذب وازدواجية المعايير أحد أوجه التشابه الذي يعتمده كل من أهل الغفوة ودول الغرب. فالإعلام الغربي كشف مدى التحيز غير الموضوعي والكذب الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية في نقل الأخبار وسرد الأحداث والتضليل، كما كان يفعل أهل الغفوة في الكذب والتضليل على أتباعهم لينخرطوا في الحروب العبثية بهدف القتل والتفجير، وكانوا يؤلفون القصص الوهمية عن الشهداء وأحوالهم وغير ذلك من كذب ممنهج لتضليل أتباعهم ومجتمعاتهم. كذلك فعل الغرب في أوكرانيا التي وعدوها بإلحاقها بأوروبا والانضمام إليها، وأنهم سيكونون الدرع الواقي لأوكرانيا من خطر الشيطان الأكبر روسيا، وشجعوا العنصرية النازية التي احتضنتها المؤسسات الغربية فقاموا بتدريبهم على القتال في كندا وفي العديد من الدول الغربية التي تدعي أنها ضد النازية والعنصرية، وأرسلوا المرتزقة الذين أطلقوا عليهم اسم المتطوعين في حين كانوا في السابق يسمونهم الإرهابيين.

أهل الغفوة ينعتون من يخالفهم بأقصى الصفات سوءا، وكذلك الغرب فإن من يخالف يصبح خارجا عن القانون تلعنه ديمقراطيتهم وتطرده من نعمة الديمقراطية.

لقد نكب وبلي العالم بالتطرف ودفعت الشعوب فاتورة الجشع والنهب والاستيلاء على مقدرات العالم من قبل الغرب. فأمريكا تستهلك ٢٥٪؜ من الناتج العالمي في حين أن تعداد سكانها لا يتجاوز 5% من تعداد العالم.

لقد حان الأوان لنعيد مراجعة خططنا المستقبلية في ضوء هذه الحقائق التي كشفها الصراع الغربي مع روسيا. وكما جرى التعامل مع أهل الغفوة يجب أن يتم التعامل مع الهيمنة الغربية لوقف سرقة مقدرات الشعوب.