-A +A
علي بن محمد الرباعي
شتّى الصيّف، وحلّ وقت الكيف، وانتسم القرويون من عناء أربعة أشهر من الحرث والزرع والحصاد؛ معلّقين نشاطهم، ومتفرغين لأفراحهم؛ انتظاراً لبدء موسم الخريف.

عادت المواتر من رحلات بعيدة، وأقبل السائق ببشارة، بخصفة حساوية لمنوّر بعثها شقيقه من المنطقة الشرقية في مور (أبو علي)، تشيل حبوب أربع ديّسات، فاشتال هو وعياله؛ قفاف وأكياس الحبّ، وصبّها في الخصفة؛ تشاوع الفقيه برأسه من فوق الحجيرة، وتباوع في الخصفة؛ واختفى سريعاً مخافة أن يراه جاره؛ لمحه بعينه الصوراء؛ فقال (أبرد الله يبرد حظك؛ وتناول قشاشة، وكسرها مردداً، كسرت في عينك عود؛ والشرّ ما يعود).


أيام وليال، مرّت، ومنوّر ما يشوف فوق رأسه رأس، كون الحنطة إذا حلّت البركة، تسدّ العيال إلى حول الليله؛ والسمن يملأ العكاك، وعدلتين تمر في العُليّه، والغنم سارحة يا حافظ يا عقايل الله، وإذا نشده نشّاد منين لك ذا الجَلْب يا منوّر؟ يردّ شعراً (من جلب شمران ما هي من غنم روبه) وإذا عكنن عليه السائل وزوّدها؛ يضيف (بشكيك للشيخ وآقل يا قضا ربّه).

تناول المسنّ من فوق الرفّ، وقال لزوجته (منورة) أعجلي بالشفرة، خليني أحدّها، نجزّ شعر الغنم، عفّش صوفها فوق ظهورها، فناولته، وعادت للخصفة كشفت غطاها، وطنّت بالصايح (يا خصفتنا خصفتاه)، فردّ عليها (منوّر)؛ وشبك يا مغزولة؟ أخرعتيني الله يخشعك، قالت؛ الخصفة منقوبة من قعرها، فرمى ما بيده وأقبل مسرعاً مردداً (عليك ذكر الله يا حبّنا)، فشاهد آثار الفأرة، وقال؛ وأنا أقول وشب الحب كل ماله ينقص، ظنيت أنك ما تسمّين إذا كيّلتي للطاحون.

سألها: وين (البسّة) ما شوفها لي كم يوم؟ فأجابت؛ ما تقرّ في البيت، تسعسع، من ذا بيته بيت أخوالي؛ قليلة مذهب، فقال؛ ما عليها شرهة؛ الأناثي إذا شتّى الصيف؛ يحيف عليها الحطم، وتدوّر الوليف، علّقت؛ ما عنك وعن الروايا؛ الله لا يزرى علينا.

فكّر فيما لحق بحبّه، فحمّل المسؤولية؛ عين الفقيه الحارة؛ وبدأ يحدّث نفسه؛ صابنا بعين ولد الحرام، ما حد قد ذَكره بخير، والفيران ماجت إلا من تحت رأسه، ذبّح البساس جعله الذبح، لكن دواه عندي.

تسامعت القرية بفأرة الخصفة، وبدأ النسوان يتفقدن خصافهن، واقترح المؤذن على منوّر يشتري من عنده منسبة ما مثلها تصيد هبشة فئران دفعة واحدة، فاشتراها بمد حنطة، ونسّبها للفأرة، وضع بداخلها قطعة عجين، تالي نهار؛ لقي المنسبة فاغرة والعجينة ما لها الطاري، فعضعض براطمه، وقال: منسبة الكاشر كاشرة، وأضاف: حبكها الفقيه والمؤذن، لا بِعث اللي ما يربيهم، فوعد عياله الخمسة بريال لكل واحد يمسك له فأر حيّ.

سرحوا الورعان على الطلح، يلقطون الصمغ، ويغرونه على كراتين ويدخلونها بين الأكياس، ولا عدّى الأسبوع إلا وفي بيته عشرة فئران، وعندما رقدت القرية، تلثم، وأسقط من (قُترة) بيت الفقيه والمؤذن زوجين فئران.

فرّخت الفئران وتكاثرت، وتنقلت من بيت لبيت، وصار مع الفأرة قبيلة فئران، عبثت بالمنسوجات، ونقبت الخِصاف، مِن شقّ وطرف، فاجتمع المتضررون، وقرروا شراء سم الفئران، ونثره في كُل حدّة، ومن شدة حرارة السُّم خرجوا في السيّح، والفيران تصول وتجول داخل البيوت، فأقسم العريفة ما عاد حاد يرزاها لا ببخه ولا دخّه. وقال: عِدوها واحد من عيالكم، وما قسم ربي للنفس تأخذه رضا وإلا غصيبة.

اقترح عليهم صاحب شور، يحرقون بسباس يحشرها، فقال: حشروك على ما بك، وما قد سمعنا بوصي على رشيد، فكنا من رشادة الفئران، وفي ظل المصايحة، أقبل عليهم المذرّع، وسمع القصة، فضحك منهم وقال اسمعوا يقول بو عساف بستنا مريضة؛ ما صلّت حتى الفريضة، وخلّت الفئران تأكل من تعبنا، ما معها حر وغبنا، وتتسدح تتحرى خوط نابت، وان سمعت في الدار بسٍّ ياخ ماوت).