-A +A
منى العتيبي
في الفترة الأخيرة قلَّما يستوقفني كتابٌ من كتب المطبوعات الجديدة حتى تعثرت إهداءً في كتاب قرأته مرتين من فرط إعجابي بالفكرة الإبداعية التي تناول بها الكاتب قضيته «التدقيق اللغوي». هذه المهمة التي فلسفها الكاتب فايز الغامدي في كتابه «صدفة العثور على صواب» أراه جاء بها من منظور شمولي مختلف، جاء ليحرث الفكرة من منابتها الفكرية الحياتية.

وأخذتني فكرة التدقيق اللغوي إلى التأمل في حياتنا، هناك من يمارس دور المدقق اللغوي علينا بوعي منه أو لا وعي، يمارس التدقيق على خطواتنا، أحلامنا، أفكارنا وحتى طموحاتنا، يتصيّد هفواتنا، يطاردنا كالظل، ويسعى جاهدًا إلى محاسبتنا ومحاولة التصويب من وجهة نظره، فتراه يرهقنا به، ويشغلنا بالملاحقة والمراقبة، وقد يتطوّر الأمر وتتعاظم رغبته في التدقيق علينا إلى فكرة وصمنا بالشر المطلق ويقصينا من الحياة كلها.


أعود للكتاب، وأقف عند الموضوع المعنون بهدنة مؤقتة مع الخطأ، وكم أعجبتني هذه الفكرة التي تتقاطع مع فكرة حين يصبح الناقد الحاذق هو كاتب النص نفسه في مجال النقد الأدبي، وتحضر هويته الإبداعية الشاعرية مع هويته النقدية، فيكون الكاتب والرقيب في آنٍ واحدٍ، والأمر كذلك مع المدقق اللغوي حين يكتب نصه الخاص، ويعقد هدنةَ تصالحٍ مؤقتةً مع الخطأ. وهنا أخذتني الفكرة إلى تأمل معركة أخرى نعيشها كل يوم في حياتنا بين الخلاص من رداء وأعباء نقد ورؤى الآخرين التي تلبستنا حتى سكنت وعينا وبين حقيقتنا.. عفويتنا.. روحنا الفطرية الطرية خوفًا من مقص الرقيب الذي يعيش داخلَنا!

إن فكرة المدقق اللغوي وما طرحه الكاتب في كتابه تعلمنا بأن رحلة الخطأ في حياتنا لا تنتهي، وينبغي على الآخر الذي يتصدر مشهد التصويب والتدقيق أن يحضر بلغة خاصة تستطيع أن تفهم الخطأ لا أن تصنع منه العصا التي تحطمنا.

ختامًا.. يقول كيليطو: «أن تكتب، معناه أن تخطئ.. في البدء كان الخطأ» وأقول أنا: تعلموا من أخطائكم، ولا تلتفتوا للمدققين في مشوار حياتكم.