-A +A
بشرى فيصل السباعي
بالنسبة للدول التي تصنف على أنها ما زالت من الدول النامية «العالم الثالث»، فالفارق بينها وبين الدول المتقدمة الصناعية التي تصنف على أنها «العالم الأول» هو ليس بنسبة المتعلمين والخبراء والمتخصصين ولا توفر الموارد ولا وجود الخطط الاستراتيجية، إنما هو في مبدأ تعيين الشخص المناسب بالمكان المناسب بالصلاحيات والموارد المناسبة، وضعف تطبيقه بالعالم الثالث هو سبب كون أنه مهما تم صب خبراء وخطط استراتيجية وموارد وميزانيات مالية على الأوضاع تبقى المحصلة على الأرض = صفر إنجاز حقيقي وتطور وتقدم ملموس وتبقى المشاريع تتعثر، والأمر لا يقتصر على النمط المرضي المسمى بالمحسوبية والواسطة والفساد الإداري الذي يؤدي لتعيين غير المستحقين بدل أهل الكفاءة، فحتى عندما يكون معيار تعيين الأشخاص بالمناصب هو كفاءتهم فلا يزال ليس هناك وعي بأهمية جانب تقييم نوعية شخصية الإنسان بعكس الغرب؛ حيث بات يوضع التركيز الأكبر بمعايير تعيين أي شخص سواء بمنصب عام أو خاص بناء على تقييم نوعية شخصيته، والقائمون على التقييم هم متخصصون بعلم النفس الصناعي والمؤسساتي؛ لأن الدراسات العلمية بهذا المجال أثبتت أن شخصية الموظفين هي المحدد الأهم والأكبر للنجاح أو الفشل؛ فهناك أنماط شخصيات تؤدي لعرقلة الإنجاز مهما توفرت أسبابه، وهناك أنماط شخصيات تؤدي لتحقق الإنجاز المطلوب مهما كانت الصعوبات والعوائق والتحديات، بينما في العالم الثالث لا يزال السائد هو أحد اثنين؛ إما عدم الاعتبار لأهمية نوعية شخصية الإنسان أو الأخذ بالانطباعات السطحية العشوائية غير العلمية التي تؤدي لتعيين أسوأ وأخطر نمط شخصية تؤدي لعرقلة وتدمير أي محيط عملي تتواجد فيه؛ وهو النمط الذي يسمى في علم النفس بـ«النرجسي السيكوباتي»؛ لأنه يعطي انطباعات توحي بالثقة والتمكن والودية والقيادية والكاريزما والقدرة على فعل المستحيل وكلها زائفة فيه، وعلى أرض الواقع حصلت يقظة وعي بأمريكا تحديدا والدول الصناعية عموما لمدى خطورة وضرر هذا النمط من الشخصيات وكونهم كانوا يمنحون المراكز التفضيلية بالتعيين وحصلت يقظة الوعي هذه بشكل مكثف منذ عام 2008 في أعقاب الانهيار الاقتصادي الكبير الذي حصل بأمريكا وفضح حقيقة أن فقاعة ازدهار الاقتصاد الأمريكي كانت زائفة ومزورة من قبل طبقة المديرين النرجسيين السيكوباتيين، وأشهر دراسة بينت هذه الحقيقة هي التي قام بها المتخصص بعلم النفس الصناعي والمؤسساتي الدكتور «بول بابياك» وألف فيها كتابا بعنوان «Snakes in Suits: When Psychopaths Go to Work- أفاعٍ يرتدون البدلات؛ عندما يذهب السيكوباتيون للعمل» وكانت محصلة دراسة ميدانية ومباشرة على كبار المديرين بأمريكا وبينت مدى خطأ معايير التقييم السطحية لنوعية شخصية الشخص المعين التي تؤدي لتفضيل تعيين السيكوباتيين الذين تكون نجاحاتهم الباهرة ظاهريا مجرد فقاعة زائفة سرعان ما تنفقئ وتقع الكارثة ويتحمل عواقبها الآخرون ويكون السيكوباتيون قد أمنوا انفسهم، فالعلماء لما صوروا أدمغة السيكوباتيين وجدوا أن مركز العاطفة ضامر لديهم، وهذا يفسر افتقارهم الكامل للقدرة على الشعور بالحب والرحمة والحرج والخجل والندم وتأنيب الضمير والخوف من المحاسبة والعقوبة؛ ولذا يغلب عليهم الفساد المالي والإداري والأخلاقي، فعلمياً ليست صحيحة خرافة أن النساء عاطفيات والرجال عقلانيون، فللجنسين ذات المركز العاطفي بالدماغ والسيكوباتيون من الجنسين هم الوحيدون العقلانيون وغير العاطفيين؛ ولذا هم بلا ضمير فالضمير عاطفة ولا يهمهم أن كذباتهم وتلفيقاتهم وفبركاتهم مفضوحة، بل يجدون متعة بالشعور أنهم تمكنوا من استغفال ومخادعة الناس والكذب عليهم والتلاعب بهم ويعتبرونها «شطارة/ ‏فهلوة» وهذا النمط هو الذي يسمى بالتعبيرات الدارجة؛ «الذي يهمه الشو–show» أي أن يبدو بسمعة وهالة ومظاهر الحال المثالي المطلوب وليس أن يكون مطبقا ومنجزا بحق له (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) وهؤلاء هم أعدى أعداء من يريدون تحقيق الإنجاز بشكل حقيقي نزيه ويكيدون لهم مما يضاعف ضررهم؛ ولذا يجب إشراك متخصصين بعلم النفس في تقييم شخصيات المرشحين للتعين لضمان تعيين من لهم نمط الشخصية التي تسعى لتحقيق الإنجازات المطلوبة بشكل حقيقي ونزيه.