-A +A
بدر بن سعود
قبل أكثر من أسبوع وافق مجلس الوزراء السعودي على نظام الانضباط الوظيفي، والذي أمضى قرابة السنـة تحت قبة الشـورى لدراسته، والنظام سيحـل محل نظام تأديب الموظفين المعدل في سنة 2019، وسيطبق على كل الموظفين والمتعاقدين في القطاع العام، وبما يحقق رؤية 2030 في تنمية الموارد البشرية، ويرفع من كفاءة وجودة الموظف الحكومي، وذلك عن طريق تقييم الأداء بحسب الأهــداف الوظيفية المقررة لكـل موظف، والتقييـم سيكـون ربع سنوي في الغالب وليس سنوياً كما جرت العادة، وسيتم إقراره والمحاسبة عليه من قبل كل مسؤول في السلم الوظيفي الحكومي، وسيعطي النظام الجديد صلاحيات أكبر لرئيس الجهة.

نظام الانضباط الوظيفي سيربط التقييم بالترقيات والمكافآت، وسينظر إلى الإنذارات في حالات الفصل أو إنهاء الخدمة، ما يعني أن التقدم أو التأخر الوظيفي سيقاس بمقدار الإنجاز والكفاءة والتأهيل، وهذا يتناسب مع مستهدفات برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية، التي تم العمل عليها منذ 2015، ويأتي كتطور إداري مطلوب في منظومة العمـل العام السعودي، وفيه تعزيز لمفهومي الرقابة الذاتية والتنافس العادل، وكلاهما يدخل في أخلاقيات الوظيفة العامة، فقد أشارت التقديرات المحلية إلى أن غياب المعايير الموثوقة في فترات سابقة، ساهمت في تعطيل الاستفادة من الإمكانات الكامنة للموظفين الحكوميين وبنسبة 80%.


في السابق كانت الأمور الشكلية مسيطرة على معايير تقييم الموظف العام، ومن أبرزها، معيار الحضور والانصراف من الدوام الرسمي، ورغم أهميته إلا أنه لا يعطي مؤشراً صادقاً على جودة أو إنتاجية الموظف، ونظام الانضباط الوظيفي يحاول معالجة سلبيات نظام تأديب الموظفين، وعدم وجود أدوات تنظيمية واضحة لوصف المميزين والمقصرين، وهو يغلق باب الاجتهاد العشوائي، وبأسلوب بأخذ بالمبدأ الأغريقي في رؤيته للفضيلة كوسط بين رذيلتين.

نظـام التأديب السعودي القديم عمل وفق نظــرية إكس الإدارية، ونظرتها المتحاملة على الموظف بوضعه في موقع الكسول والمقصر والانتهازي، وأنه يحتاج إلى رقابة وضبط وتكسير مجاديف حتى لا يتجاوز، مع التركيز على العقوبات والروتين بصورة أكبر، في مقابل نظرية وأي التي يعمل عليها نظام الانضباط الجديد، واهتمامها بتحفيز الموظفين وإطلاق طاقاتهم للعمل والإبداع، علاوة على خلق بيئات وآليات مناسبة وجاذبة، تساعدها في عملية الغربلة وتمييزالكفاءات.

هناك نظامان رائدان على مستــوى العالم، وهما يقبلان التوظيف بما يتناسب وثقافة العمل التي يحتاجها نظام الانضباط الوظيفي؛ الأول نظام العمل المرن في فنلندا، والذي يمنح الحق للموظف بدوام كامل في اختيار المكان والوقت المناسبين لإنجاز نصف ساعات دوامه الرسمي، وقد ساهم ذلك في زيادة إنتاجية الموظفين بنسبة 13%، وفي خفض أيام إجازاتهم المرضية، والثاني نظام الانضباط الذاتي على الطريقة الصينية الكونفوشية، وهو يراهن على الطاعة والولاء والاستقامة بجانب احترام القانون، والصينيون يتعاملون معه بمنطق الآلة.