-A +A
رامي الخليفة العلي
لم تكن الركاكة اللغوية هي وحدها التي ميزت خطاب وزير خارجية النظام الإيراني، ولكن الأهم من ذلك ركاكة الخطاب السياسي الذي يتجاهل الأزمات الحقيقية التي تعتري المنطقة حيث إيران جزء أساسي من هذه الأزمات، تجاهل حسين أمير عبداللهيان أساس المشكلات وراح يجتر خطاب الشعبوية والدوغمائية بالحديث عن الفشل الأمريكي والخطر الأمريكي، بيد أن شرائح واسعة من الشعوب العربية ترى أن نظام الملالي لا يقل خطورة عن أي تهديد آخر. على الدوام كانت الدول العربية سباقة لمد يد الأخوة إلى إيران كلما بدا أن هناك بصيص أمل أن يتخذ النظام سياسات تعتمد عدم التدخل في شؤون دول الجوار، والتوقف عن تمويل مليشيات إرهابية، والابتعاد عن المتاجرة بالقضايا العربية، لكن في كل مرة تثبت الدبلوماسية الإيرانية أنها غير موضع ثقة.

الرسالة العراقية كانت واضحة بأن يكون العراق ساحة تعاون وشراكة بين الدول المجاورة له وليس ساحة صراع، وهذا ما هدف إليه المجتمعون، بل إن المملكة العربية السعودية لطالما دعت إلى احترام وحدة وسيادة العراق، وأدانت كل محاولات النيل من هذه السيادة سواء من قبل مليشيات إرهابية مدعومة إيرانيا، أو قصف تقوم به تركيا على الأراضي العراقية. نهضة العراق ورفاهه الاقتصادي وخروجه من دوامة الفساد والفقر والبطالة، هدف تريده الدول العربية كما تريده الحكومة العراقية؛ لذلك حظي السيد مصطفى الكاظمي بدعم غير مسبوق من الدول العربية كما الدول الغربية. هذا الدعم منح الكاظمي هامشاً من الحركة جعله يلعب دوراً مهماً في محاولة تخفيف التوتر بين دول المنطقة، بل والطموح إلى بناء شراكة وتعاون بين دول المنطقة. وبالفعل سارعت المملكة الأردنية وكذا جمهورية مصر العربية إلى ملاقاة الهدف العراقي، فكانت الآمال واسعة بأن يتم توسيع هذا التجمع ليشمل دول المنطقة برمتها خصوصا تلك المتداخلة بالشأن العراقي فحدثت الدعوة لقمة بغداد.


ليس لدينا شك على الإطلاق بالنوايا الحسنة للحكومة العراقية برئاسة السيد الكاظمي، ولكن لدينا كل الحق وكذا التجربة التاريخية، للشك بتلك القوى الإقليمية التي تعبث بمنطقتنا وعلى رأسها تركيا وإيران. كلنا يريد أن تنعم منطقتنا بالأمن والسلام والازدهار، وأن تعمد دول المنطقة إلى التعاون بينها من أجل بناء شراكات إستراتيجية، ولكن سياسات أنقرة وطهران لا تصب في هذا الاتجاه. نعم لقد نجحت بغداد في تخفيف التوتر في المنطقة وهذا شيء محمود يجب أن نشجعه ونشد على أيدي من يسعى إليه، ولكن الوصول إلى نزع فتيل الأزمات يتطلب تغييراً في السياسات. شعوب المنطقة ليست بحاجة إلى خطابات ركيكة، كما هي ليست بحاجة إلى خلفاء جدد يفرضون سيطرتهم بالمليشيات الإرهابية في محاولات بائسة لخلق مناطق نفوذ. الشعوب العربية تريد زعماء دول جوار يعلنون أنهم اكتفوا من الدماء العربية، وأنهم يعملون بصدق لبناء الأخوة والتعاون والشراكة، عند ذلك ستصفق هذه الشعوب طويلا حتى لو كان الخطاب باللغة الفارسية أو التركية أو أي لغة كانت.