-A +A
بدر بن سعود
قام سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالإعلان عن تأسيس مدينة ذا لاين، وكان ذلك في بداية العام الميلادي الحالي، والمدينة ستكون في نيوم، ولا مكان فيها للسيارات أو الشوارع أو الانبعاثات الكـربونية، ولن يأخذ الانتقال بين الأماكن فيها أكثر من خمس دقائق بالأقدام، لأن شبكة المواصلات ستكون أسفل المدينة، وممرات المشاة وحدها على سطحها، وبينهما مستوى للنقل واللوجستيات، وستعتمد على الطاقة النظيفة والمتجددة، وعلى المجتمعات الإدراكيــة المترابطة والمعــززة بالذكاء الاصطناعي، وبما يجعل الحياة فيها منسجمة مع محيطها الطبيعي، ولعل في هذا تصورا متقدما لمفهوم أنسنة المدن الذي ستعمل عليه المملكة للمستقبل، وهو يأخذ بمبدأ التمدد العمراني الرأسي وليس الأفقي.

أنسنة المدن السعودية تعتبر من مستهدفات رؤية 2030، وتكون بتحديد الميزة التنافسية لكل منطقة في المجالات الزراعية والصناعية والسياحية، وفي المدن الذكية وغيرها، ومن ثم استثمارها بما يخدم الإنسان والبيئة، ولكنها تبدأ بالدرجة الأولى من الأحياء وأنسنتها، وإخراجها من بوتقة النمــوذج العمراني الأمريكي، واهتمامه بالطـرق السريعة والتمدد الأفقي والمســاحات الكبيرة والكثافة السكـانية المنخفضة، علاوة على تخصيص المساحات لغرض واحد كالسكن أوالتسوق أو الترفيه وهكذا، ومن الأمثلة عليه، مدينة هيوستن الأمريكية.


الأنسنة تقوم على الاستخدام المتعدد لمساحات الأراضي، ويحيث يكون الحي مشتملا على المرافق وممرات المشاة وأماكن التسوق والترفيه والمدارس والمساحات الخضراء، وأن تكون المسافات فيهــا متقاربة وبلا فراغات، ولا يزيد مشوارها الواحد على عشر دقائق في المتوسط، وبصورة تعزز الأنشطة الاجتمــاعية، وتقلل من استخدام السيارة، وما يأتي معهــا من تلوث وحوادث ووفيات وعزلة مجتمعية، ومن نماذجها، مدينة زيورخ السويسرية.

الهوية العمـرانية في المملكة لا تأخذ في حساباتها مجموعة من الأمور المهمة، رغم وجود برنامج وطني للأنسنة، ومن أبرزها العشوائيات التي تشوه بعض مدنها، وقد سجلت هيئة المدن العربية في إحصاءاتها أن 80 مليون عربي يعيشون في مناطق عشوائية قريبة من وسط المدينة، والحل لا يكون بإزالتها وإخلاء سكانها، وإنما بتوفيـــر بديل نظامي ومؤنسن بنفس مواصفاتهــــــا، حتـى لا يقيم أصحابها عشوائية أخرى، بالإضافــة إلى التخطيط الشبكــي الرتيب للمدن والأحياء، وتركيزه على خدمة السيارة واحتياجاتها أكثر من الإنسان.

المدن الصديقة للإنسان يجب أن لا تزيد مساحة الشوارع في أحيائها على 30%، مع تخصيص ما نسبته 40% من مساحتها للاستخدام التجاري، والبقية مقسمة بين المساكن الرأسية كالأبراج السكنية والمرافق والخدمات، وبحسب الخبراء، يمكن قياس مؤشرات الأنسنة من صوت المدينة، ومن كثرة المشاة على الأرصفة وانخفاض السمنة والأمراض، ووزارة الشؤون البلدية في المملكة، فرضت ضوابط متوافقة مع الأنسنة على مخططات الأحياء الجديدة، ولكنها لن تكون كافية بدون اقرار عقوبات واضحة وصريحة على المخالفين.