-A +A
عبداللطيف الضويحي
خلف كل لاجئ كارثة، وأمام كل لاجئ مأساة. أجيال متعاقبة من اللاجئين العرب والأفارقة انتهت بهم رحلة اللجوء في قاع البحر الأبيض المتوسط، لكن الناجين من هذه النهاية المأساوية ليسوا أسعد حظ ممن انتهت رحلتهم في قيعان البحار، لأن الوصول للضفة الآمنة المقابلة ليست نهاية لرحلة العذاب والشقاء، بل ربما بدايته.

اللاجئون يفرون من الموت إلى ما يشبه الموت، ويستنجدون بجحيم الأمكنة من لعنة الأزمنة. هم لا يعرفون أين وجهتهم غالبا، ولا وقت لديهم لحمل وثائقهم تحت صدمة المفاجأة وأمام هول كارثة الحروب والأزمات السياسية والطائفية وكوارث المناخ والأعاصير.


فسواء كان اللاجئون شرعيين أو غير شرعيين، وسواء كانوا يحملون أوراقاً ووثائق ثبوتية أو لا يحملونها، فهناك دائما عصابات ومافيات بانتظارهم لتسخيرهم ما استطاعوا والإتجار بهم واستغلال ظروفهم النفسية وأوضاعهم الاقتصادية. فعلى أكتاف اللاجئين تنتعش الجريمة وينتشر الإرهاب وتقوم صناعة الارتزاق ويزدهر البغاء إلا ما ندر.

هذه الممارسات هي انتهاك لحقوق اللاجئين وانتهاك لحقوق الإنسان قبل ذلك، لكنها صناعة غير إنسانية وغير أخلاقية تستثمر في ظروف اللاجئين من قبل عصابات ومافيات احترفت هذه الممارسات غير الإنسانية.

الأمم المتحدة بمنظماتها المعنية باللاجئين؛ وفي المقدمة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، رغم جهودها الإنسانية في مختلف مناطق العالم منذ تأسيسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ورغم حصولها على جائزة نوبل مرتين سنة 1954 وسنة 1981، إلا أنها تظل جهودا متواضعة؛ كمياً ونوعياً، قياسا بالخبرة التي من المفترض أن المفوضية اكتسبتها عبر سنوات عملها. صحيح أن الفجوة التمويلية كبيرة بين الاحتياج والواقع، لكن مفوضية اللاجئين والعديد من المنظمات الأممية لم تبتكر أساليب تنسجم مع مستجدات المرحلة وتطوراتها، بل إنها لا تزال أسيرة أنظمة أكل الدهر عليها وشرب، فعلى ما يبدو لم تنعكس معطيات وتعاملات التقنية الحديثة على آليات ومنهجيات وأداء المفوضية والمنظمات العاملة في نفس المجال من خلال تطوير خدماتها ومنتجاتها وتحديث منهجياتها وتقليص إمبراطورياتها وهياكلها الإدارية، بحيث تتناسب مع المرحلة التي نعيشها ومع أعداد اللاجئين المتزايدة التي أعلن عنها الأمين العام للأمم المتحدة يوم أمس في رسالة وجهها إلى قادة العالم بمناسبة اليوم العالمي للاجئين والذي يوافق 20 يونيو من كل عام، فحسب المفوضية بأن عدد المحتاجين للحماية الدولية ارتفع عام 2020 إلى 82.4 مليون شخص وهو ما يزيد بنسبة 4% عن المستوى الذي تم تسجيله سنة 2019. فجائحة كورونا تسببت بالقضاء على مصدر عيش الكثيرين حسب الأمين العام للأمم المتحدة.

كتبت في مقالتين في جريدة عكاظ الأولى بعنوان الأمم المتحدة ودولة اللاجئين، والثانية بعنوان جزيرة اللاجئين، في كلتا المقالتين، تساءلت: لماذا تتكرر مآسي اللاجئين بحذافيرها، بينما لدى مفوضية اللاجئين مئات التجارب التي يمكن الاستفادة منها وتوظيفها لتقليل الأخطار المحدقة باللاجئين وتقليص الانتهاكات لحقوق وحياة اللاجئين وتخفيض التكاليف المالية إلى الحد الأدنى استنادا لتلك التجارب والمعطيات الحديثة؟

اقترحت في المقالتين أن تتملك الأمم المتحدة جزيرة أو أكثر من الجزر غير المأهولة حسب القانون الدولي، وأن تتم تهيئة الجزيرة أو الجزر لتكون مناسبة لإقامة مؤقتة للاجئين تحفظ كرامتهم وحياتهم وفرص انتقالهم وعودتهم لبلدانهم أو أي بلدان أخرى.

ومع قناعتي الراسخة وإيماني بهذا المقترح، أجدد اليوم مطالبتي بأن يكون البحر الأبيض المتوسط واحداً من هذه المناطق المهيأة للعابرين والمقيمين من اللاجئين عبر كل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وذلك نظراً لأعداد اللاجئين العابرين له، ونظرا لعدد الدول المطلة عليه، والأهم نظرا للعلاقة الاستعمارية التي يبدو أنها هي السبب الرئيس لنزف الهجرات واللجوء من الدول العربية والأفريقية إلى الدول الأوروبية حتى اليوم.

أرى ضرورة المبادرة بتأسيس منظمة لدول البحر الأبيض المتوسط للاجئين تعنى برعاية وحماية وتصحيح أوضاع اللاجئين؛ سواء كانوا عابرين للبحر أو نازحين في بلدانهم، على أن تتحمل الدول الأوروبية الاستعمارية تكاليف إقامة مناطق خاصة باللاجئين في كل دول البحر الأبيض المتوسط.