-A +A
أسامة يماني
نعيش في داخلنا صراعاً بين الشهوات المختلفة. هذه الشهوات في ذاتها غرائز طبيعية خلقها وأوجدها الله في الإنسان للحفاظ على الجنس البشري، كغريزة الجنس التي تتولد منها الحياة والتناسل وبقاء الجنس البشري، وغريزة التملك وغيرها من الغرائز.

الغريزة قوة كامنة في الكائن الحي تدفعه إلى أنواع مختلفة من السلوك، وهي المحركات الأولى لكل سلوك. والطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالقول والنصيحة وحدها؛ يقول فرانسيس بيكون: «لكي تُسيطر على الطبيعة، يجب عليك أولاً أن تدرسها».


وفي هذا الموضوع يقول الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين: «يكون الوعظ ذا ضرر بليغ في تكوين الشخصية البشرية إذا كان ينشد أهدافاً معاكسة لقيم العرف الاجتماعي، فإذا ذهب الإنسان إلى المسجد أو إلى المدرسة، وأخذ يسمع وعظاً أفلاطونياً يحضه على ترك الدنيا مثلاً، أدى ذلك إلى تكوين أزمة نفسية فيه، فهو يحب الدنيا من أعماق قلبه ويود الاغتراف من مناهلها بكلتا يديه... والإنسان حين يسمع الواعظ يعظه بترك هذه الدنيا الخلابة يُمسي حائراً، فضميره يأمره بإطاعة الواعظ من ناحية ونفسه تجذبه من الناحية الثانية نحو الدنیا جذباً لا خلاص منه، فهو إذن واقع بين حجري الرحی».

ويُضيف الدكتور علي الوردي: «يحاول بعض الباحثين النفسيين اليوم أن يحلوا الصراع النفسي على مختلف أنواعه، وأن يجدوا له العلاج، فقد تبين لهم بأن أكثر الناس مصابون بشيء منه، قليل أو كثير. وقد وجدوا أنه قد يزمن في بعض الأفراد فيسبب لهم التواءات وانحرافات نفسية شتی».

لذلك يُرجع فرويد كثيراً من ظواهر الحمق والهستريا وارتباك الأعصاب إلى التصادم الذي يحدث في داخل النفس بين مبادئ الإنسان الخلقية وما يهفو إليه فؤاده من شهوات جنسية عارمة.

وينتهي الدكتور علي الوردي إلى أن للإنسان عقلين: ظاهراً وباطناً، وأننا حين نعظ الإنسان في هذه الحالة، لا نؤثر إلا في عقله الظاهر فقط. أما عقله الباطن فهو لا يفهم من مواعظنا ونصائحنا شيئاً، إذ هو مشغول بما يوحي العرف الاجتماعي إليه من قيم واعتبارات.

إن الإنسان كما ألمحنا إليه آنفاً، يود من صميم قلبه أن يكون محترماً بين الناس مرموقاً يُشار إليه بالبنان. وقد يختلف الناس في كثير من الأمور، لكنهم متفقون في حب الشهرة والمكانة الاجتماعية. إن هذا حافز كامن في أعماق النفس لا يستطيع الإنسان أن يتخلص منه إلا قليلاً. ومن قال لك إنه لا يريد إعلاء مكانته الاجتماعية، فهو كذاب يحاول أن يغشك أو يضحك على ذقنك.

والإنسان حين يرى قومه يحترمون المال ويقدرون أصحابه، تجده قد اندفع نحو المال يجمعه فلا يبالي أن يسرق أو يحتكر أو يرتشي أو يغصب. ذلك أنه يرى رأي العين ما يأتي به المال من جاه ونفوذ في نظر الناس. فهو يسعى نحو الغاية التي يُقدرها الناس، ويستسيغ آنذاك كل وسيلة في هذا السبيل.

إن ازدواجية الشخصية في مجتمعاتنا الإسلامية هي نتيجة الصراع النفسي الذي يعيشه كثيرون بين الرغبات الكامنة في أعماق النفس وبين محاولة الانفصال عنها والبعد والزهد عن مباهج الحياة، ولن يكون هناك تصالح إلا بالتوازن والاعتدال واحترام الطبيعة ومعرفتها والتعامل معها وليس بالهروب منها.