-A +A
عبده خال
أربعة أيام متتالية، وأنا أتلقى خبر الفقد خلالها، والفقد حالة نقصان في ذواتنا، ولأنها حياة تكون من شروطها للمواصلة أن تتساقط أوراقك من غير الحاجة إلى فصل الخريف، فشجرة الدنيا فصول تساقط أوراقها ليست محددة بفصل بعينه.

أحياناً لا يكون قلبك قادراً على تحمل أخبار قاسية مع علمك أن النقصان هو تركيبة طبيعة للحياة.


كنت بين إغفاءة، وإفاقة، في محاولة لهجر العالم الذي تداخل كالأمعاء المجموعة في بطن واحد، تعمل من غير سرية وهي تهضم أو تعصر حياة قصيرة لكي تنهي عملية الامتصاص وصولاً إلى تزويد الدنيا بمخرجات قذرة.

أعتذر عن هذه الصورة المقززة للبعض إلا أنها هي الحقيقة.

وفِي محاولتي لهجر هذا العالم لم أفلح لأن الأشياء جميعها متقاطعة لدرجة تقاطع الأقدار بعشوائية مبتذلة، فما هو صاعد يغدو في سابع أرض ليكون من العالم السفلي!

إذ يغدو السؤال:

من يستطيع الانزواء في هذا الزمن المتبجح في اختراق عزلتك؟

زمن كلما قررت هجران الدنيا، جاءت أخبارها إلى مرقدك عنوة حتى لو كنت ممن يتبع نصيحة بطل رواية (الأيام لا تخبئ أحدًا): إذا كثرت أحزانك نم.

ومن فداحة هذه التقاطعات أن ليس هناك نوم!

لم يعد من سبيل في الاعتزال عن الناس، وأخبارهم المتلاطمة، أمواج من ( الحكي)، به من الشائعات، والأكاذيب، والخيانات، والترويج، والاستخفاف، طوفان لا تنجو منه سفينة نوح!

غدا العالم غازياً لا تمسك منه إلا تذمرك.

تعكر قرار الاعتزال، ففي أحد (القروبات) ضم سيرتي إليه، وأنا غير راض عن ذلك الضم، فكلما انسحبت أعادني مشرف القروب. وفِي صبيحة الأمس انهالت الرسائل متلاحقة، ينعون الصديق الشاعر أحمد الحربي، هكذا يكون الفقد صدمة ، صدمة لم تحسب لها حساب.

أعلم أن الصديق أبا أسامة نازل الموت في معارك طويلة، كل منها كان هو المنتصر.

ثمة أدباء ظلوا في ساحة معركة المرض زمنا طويلا، ولم تمنع الآهات الممتدة من صدورهم مواصلة العزف، الآن أتذكر عبدالعزيز المشري، كتب من عيون الموت روائع قصصية ظلت سلاحه الذي لا يكسر، وكلما كتب تراجع الموت قليلا، فقط كان الموت ذكيا انتظر حتى نام المشري وعاجله بنزع النفس.

ويبدو أن الصديق أحمد الحربي أخذ غفوة فكان الموت جسورا لكسب المعركة.

رحم الله أحمد الحربي، والمشري، وكل الأحبة الذين فقدناهم موتاً وحياة أيضا.

اختصرها أحمد الحربي بهذا القول:

سئمنا الحياة

‏سئمنا الغناء

‏سئمنا

‏وما مات غيري أنا.