-A +A
مي خالد
سعى الإنسان للخلاص من همه الوجودي بتعاطي الفن ورفع اليوم العادي لمنزلة الفنون حتى في عباداته، فما المعابد القديمة إلا معارض فنية فيها رسومات للبشر والملائكة وعديد من مظاهر الحياة كالحروب والرقص، لذا نجد صوراً من يومهم العادي وممارساتهم البسيطة منقوشة في أسقف الكهوف الأولى وجدران الكنائس القرطوسية.

وحتى الأديان التي تحرم بعض أشكال الفن فهي تقبل بعضها الآخر ومن ذلك أن مساجد المسلمين مزخرفة بأشكال من العناقيد والأغصان إلى جانب الخط العربي.


لكن إن كنت من متابعي الحركة الفنية المعاصرة في الإنترنت أو معارض الفن، وتحديداً ما يسمى الفن المفاهيمي وفن الوسائط المتعددة وجميع ما يندرج تحت حقبة ما بعد الحداثة، فأنت تعلم أنهم أنزلوا الفن من عرش الجمال.

نزل الفن لليوم العادي، فتشعر أحياناً لكثرة ما تشاهد من إطارات سيارات ومسامير وعلب فارغة أنك تسير في شارع قذر.

على اعتبار أن دور الفن ما بعد الحداثي رفض البنية الفنية التاريخانية الجمالية، وهدفه محاربة الأعراف الاجتماعية والسلطة السياسية. وفكرة النخب التي ترى أن للفن منزلة خاصة يجب رفعها عن الذوق الشعبي.

ربما يستطيع القارئ العربي فهم الفن ما بعد الحداثي عبر الموسيقى الإلكترونية ورواج الأغاني التي تسمى مهرجانات في مصر من موسيقاها التي تشبه الضوضاء أكثر من الإيقاع إلى كلماتها العامية التي قد تصل لحد الفجور وتعاطي المخدرات وخدش الحياء. وما يحصل لها من قبول شعبي عارم من جهة، ورفض أكاديمي نقابي من جهة أخرى. وصل هذا الرفض أحيانا إلى أبواب المحاكم.

أما في فن الرسم فيمكن ضرب مثال باللوحات التي نشاهدها باستمرار وتكون محل تندر: قطعة قماش مرشوشة بالألوان دون أن يكون هناك هيكل معين واضح أو تخطيط للرسم فلا يستطيع شخصان اثنان أن يشاهداها ثم يقولان هذه نافذة هذه كأس أو تلك نخلة... مثلاً، بل هي أقرب (للشخبطة).

إذن هو فن لا يهتم لمعيار الجمال، بل يرفع صوته ويرسل رسالته ضد المجتمع والناس والسياسة والفن ذاته. يقول لا يوجد معيار لما هو صواب أو خطأ ولا لما هو جيد أو سيئ. هو فن يتحدى الوضع الراهن.

وهذا ما نحتاجه أحياناً كمتلقين للفنون، لكننا للأمانة بحاجة للجمال أكثر.

كاتبة سعودية

may_khaled@hotmail.com

mayk_0_0@