-A +A
حسين شبكشي
التاريخ مادة دسمة فيها ما هو من نسج الخيال ومكتوب لأجل إبراز وجهات نظر شخصية وخاصة ويتم فيها لي الحقائق وتشويه أو تجميل بعض الأحداث لأجل ذلك، وفي أحيان أخرى يكون الطرح علميا وممنهجا وموثقا بشكل موضوعي ومحايد ومحترم. وخلال فترة الحجر المنزلي انهمكت بقراءة العديد من العناوين المختلفة، في مواضيع مشكلة اخترتها للتثقف ولملء الفراغ في آن. وكم كانت مفاجأة أكثر من سارة عندما انتهيت من قراءة كتابين ممتعين عن مدينتي «جدة»، ووجدت في الكتابين متعة وإفادة في موضوع مهم. الكتاب الأول «أسطورة جدة أمنا حواء بين الأساطير والأديان والعلم» لمؤلفه محمد أنور مسلم نويلاتي، والكتاب في مجمله يعتبر وثيقة تاريخية في مدينة جدة عموما وعن أحد علاماتها التاريخية. وكان مبهرا ومستحقا للإشادة بذلك الجهد العلمي التوثيقي الهائل الذي قام به المؤلف القدير في البحث في صفحات أمهات الكتب والوثائق العثمانية والبريطانية والبرتغالية وكذلك في الأديان الإبراهيمية الثلاثة عن المعلومات الدقيقة التي جعلت من كتابه في النهاية قراءة ممتعة ومادة علمية وتاريخية محترمة. استخدم المؤلف لغة بسيطة ولكنها تحترم القارئ وتستند إلى العلم والتوثيق والمنطق بعيدا عن العواطف والأهواء. كل الأمل أن لا يكون هذا الكتاب هو الإصدار الأخير لمؤلفه، فلقد أخرج لنا هذا الكتاب كاتبا مميزا وصاحب أسلوب لافت ومهم وبالتالي الناس في شوق للمزيد منه.

أما الكتاب الثاني فكان إصدارا باللغة الإنجليزية يحمل عنوان «تاريخ جدة بوابة مكة في القرنين التاسع عشر والعشرين» للمؤرخة الألمانية المعروفة اولريك فريتاج مديرة الدراسات الإسلامية بالجامعة الحرة ببرلين في ألمانيا، والصادر عن جامعة كامبريدج البريطانية العريقة. استغرقت الكاتبة في كتابة هذا الكتاب المهم مدة تجاوزت 3 سنوات، غطت فيها دور جدة كنقطة استقبال أساسية لزوار العالم الإسلامي إلى قبلتهم مكة المكرمة شرفها الله، وكيف أن التغييرات التي حدثت في العالم الإسلامي عبر المائتي عام التي غطاها الكتاب انعكست على مدينة جدة نفسها بمعمارها ومطبخها وفنونها واقتصادها وتشكلت مع الوقت الشخصية الخاصة بهذه المدينة. جميل أن تقرأ كتبا مميزة عن إحدى أقدم مدن العالم بشكل منصف ومميز ومفيد. والكتابان إضافة مهمة لجزء مهم من تاريخ وطننا العزيز حفظه الله.


كاتب سعودي

hashobokshi@gmail.com