-A +A
عبده خال
الجميع يتحدث عن العالم بعد انقضاء زمن كورونا، في جميع المستويات: السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والمصرفي التبادل التجاري وتغير العملات كدخول العملات الرقمية، فالعالم يضج بالتوقعات المنزلية وكلما طال زمن الحظر كانت الفرضيات متناسلة، وهو حديث الأمل، أقول الأمل لأننا ما زلنا في كنف الجائحة، وليس هناك باب مفتوح يؤكد أننا قضينا على الفايروس، ولكون النفس البشرية تخرج من ضائقتها بافتراض التخلص من المعضلة تجدها تتحدث كثيرا شرقا وغربا، وفي هذه الافتراضيات تظهر التوقعات شؤما أو تفاؤلا.

والوضع العالمي لفايروس كورونا رفع سقف التحدى فنيا أيضا، فهل يمكن استنساخ الماضي، فمثلا هل بالإمكان خروج رواية بعنوان (الحب في زمن كورونا) على غرار رائعة ماركيز (الحب في زمن الكوليرا)؟


ولأننا على يقين أن للفن خاصية التفرد بحيث لا يمكن استعادة اللحظة بالاستنساخ أو المشابهة، ومهما كانت الظروف الماضوية متشابهة مع الحاضر، فإن المنتج الفني يكون في حالة تغير زمني، فأعمال روائية مثل (العمى) لجوزيه ساراماغو، و(حب في زمن الكوليرا) لغابرييل غارسيا ماركيز ورواية الطاعون للبير كامو (الروائيون الثلاثة حصلوا على جائزة نوبل للأدب)..

كتبت في فترات زمنية متباعدة بتباعد وتواجد هؤلاء الروائيين داخل الحدث أو سماعهم به إلا أن تفرد أعمالهم هذه بتفرد المكان والحالة أو الفضاء الروائي، ومع فايروس كورونا هل ستكتب رواية لها بصمتها وتفردها؟

وأجدني أعيد القول:

إن الروايات التي تحدثت عن الأوبئة كانت لها ميزة نقل أحداث خاصة بمكان محدد وزمن متباعد مجسدة آلام الناس جراء ما وجدوه في تلك الجائحات.. والمكان في تلك الروايات مكان محدد بحيث لا يتطابق مع أمكنة أخرى في العالم، فامتلكت الروايات المكتوبة عنصر الجذب لدى القارئ أو لنقل عند المتلقي كون السينما مارست هذا الدور في نقل أفلام تتحدث عن أوبئة أو كوارث متخيلة في مكان محدد وزمن مختلف..

الآن ونحن في حضرة السيدة كورونا يصعب كتابة رواية تمتلك عنصر الدهشة كون العالم مجتمعا يعيش تحت ظرف مشترك في أماكن مختلفة يجمعهم زمن واحد ووباء واحد وهذا ما لم يحدث سابقا.

فالشخصيات -الكونية- تتبادل وتتلقى الأحداث والأخبار والطرف والتوقعات من خلال أدوات التواصل والأخبار المصورة من القنوات الفضائية حتى لم يعد هناك مشهد عجيب أو مدهش يستطيع الروائي استلاله لبناء روايته القادمة.

وهذا التوقع لا يعني بتاتا عدم ظهور رواية -أو أكثر- تتحدث عن هذه الجائحة إلا أن الصعوبة في اختيار ملمح جمالي لم يتشارك العالم مشاهدته أو الاطلاع عليه من قبل ويصبح تشابه الزمن والفضاء الروائي معضلة في التجاوز وخلق الدهشة.