-A +A
حمود أبو طالب
عندما اندلعت الثورات في بعض البلدان العربية عام 2011 كانت أحداث مصر هي محور الاهتمام الأبرز نظراً لأهمية مصر كأكبر دولة عربية، وكان الانطباع الأولي عن ثورة مصر وغيرها أنها ثورات شعبية وطنية خالصة لها أسبابها الموضوعية، قبل أن تتكشف الأمور لاحقاً ليتضح أنه مخطط دولي جهنمي لتحويل الدول العربية إلى دول فاشلة تتناوشها الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية بعد تسليم الحكم فيها لأشد التنظيمات خيانة للأوطان، الإخوان المسلمين.

وقد تابع العالم مسلسل محاكمة الرئيس حسني مبارك رحمه الله، الذي كان بإمكانه مغادرة مصر بعد تنحيه ومغادرته إلى شرم الشيخ، لكنه بدلاً من ذلك قرر البقاء والقبول بما يحكم به عليه الشعب المصري والتأريخ، والإصرار على قضاء ما تبقى من عمره في مصر والموت فيها. وبعد استلام الإخوان للسلطة مارسوا أسوأ وأحقر تعامل مع الرئيس مبارك حتى في محاكمته التي سادتها روح التشفي والانتقام والإذلال والإهانة، لكنه كان كبيراً وشجاعاً ورجل دولة حقيقيا حتى وهو في أسوأ الظروف، وكان لله حكمة عظيمة عندما أخرج مبارك من قفص الاتهام ببراءته لاحقاً ليقضي فيه الرئيس اللاحق الذي دفع به تنظيمه إلى كرسي أكبر منه، ومارس مع خصمه كل التجاوزات لشروط وأحكام العدالة في محاكمة الخصوم.


مثل أي مرحلة حكم في التأريخ كان لمرحلة حسني مبارك ما لها وما عليها، كانت هناك إيجابيات كبيرة وسلبيات أكبر، ولكن لا يمكن تجاهل أو إنكار أنه كان رئيساً بحجم مصر وأهميتها، وأنه كان صاحب قرار قوي قبل أن تنخر سنواته الأخيرة هيمنة الدائرة الضيقة حوله بسبب كبر سنه واعتلال صحته، والمفارقة الملفتة أن الشعب المصري تذكر أيامه وتمناها عندما وقع تحت نير حكم الإخوان وقبل أن ينقذه الجيش المصري من تلك المأساة.

لقد خرج حسني مبارك رحمه الله ببراءة بعد معاناته من محاكمة طويلة أرهقته وهو طاعن في السن، وغادر الحياة يوم أمس كما أراد، على أرض مصر وسيدفن في ثراها، ولأن مصر كبيرة فإن لحسني مبارك حقا عليها بأن تعامله في وفاته كما يليق بها وبه.