أعلنت سابقا أنني أتوقع عودة مسلسل (طاش ما طاش) باسمه أو باسم آخر، لأن لا شيء، سعوديا أو خليجيا، عوض ذلك المسلسل الشهير الجريء الذي نفض كثيرا من الغبار المتراكم على كثير من الحقائق ووضعنا تماما أمام أنفسنا ومفارقاتنا الاجتماعية.
يعود طاش هذه السنة، كما توقعت، باسم آخر هو (سلفي)، ليضعنا من جديد خلف الكاميرا الذاتية، الفاضحة والمتاحة في كل حين. نكتشف في المسلسل الجديد أن تلك المفارقات القديمة تطورت باتجاه سلبي نحو مزيد من مفارقات الحاضر الضخمة التي انتفخت فيها أصوات (التكفير) والنفاق والدجل وخطف الحقوق، الخاصة والعامة، للحسابات الفئوية الضيقة والمغلقة على أصحابها.
كان واضحا من أول حلقة في هذا المسلسل أنه سيكون مثيرا وناجحا لأن السعوديين في السنوات الخمس الأخيرة تغيروا كثيرا في التعبير عن أنفسهم وهواجسهم وطموحاتهم. وكان لا بد، في حالة تبدل اجتماعي من هذا النوع، أن يأتي من ينقل أشكال هذا التعبير إلى شاشة رمضان ويستفيد من حشدها الجماهيري الذي لا شيء يجذبه أكثر من أن يرى ذاته منعكسة أمامه بشكل كامل وصارخ.
الآن، بعد مضي ست أو سبع حلقات من المسلسل، ضحك السعوديون كثيرا على الواقع الجديد الذي يحيط بهم، لكنه ضحك كالبكاء باعتبار أن ما استجد في حياتهم ليس سوى قسوة هذا الواقع، الذي يتعايشون معه اضطرارا بانتظار ما سيحدث غدا أو بعد غد. أي أنه لا شيء تغير منذ سلت سيوف الاعتراض والشجب والاستنكار لما طرحه طاش القديم.
الفئة المستحوذة، زعما أو حقيقة على المشهد الاجتماعي، تسل حاليا نفس السيوف القديمة لتقطع أوصال ناصر القصبي وطاقم المسلسل بالكامل، لأن الإصبع يضغط على الجرح بقوة فيستحث الألم ويثير هذا الصراخ الذي يملأ أفق وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج المستنكرة لجرأة النصوص والممثلين السعوديين، الذين يلقون ببذور إعلامية مؤثرة تزعج المستكينين إلى أجندتهم ودوائر تأثيرهم التي طالما اتسعت وتعفنت دون مساءلة أو نقاش أو نقد.
إن ألف كتاب لا يمكن أن يكون لها ذات التأثير الاجتماعي الذي أحدثته حلقتا الداعشيين لدى الأسر وفي أوساط المراهقين والشباب. ولهذا السبب ليس من المنتظر أن يستسيغ المتربصون والمتطرفون هذا التأثير الطاغي والمباشر. وسيفعلون كل ما بوسعهم ليهونوا من شأن المسلسل وأفكاره وأبطاله على أمل أن يبقى الحال على ما هو عليه. وهذا مستحيل لأن مسلسل سلفي أحدث خرقا هائلا في سفينة المتطرفين، وهو بتأييد جماهيري، سعودي وعربي واسع، سيبقى من العلامات التلفزيونية في رمضان هذا العام وربما في أعوام عديدة قادمة.