لمن لم يسمع عنه من قبل، مايكل فاراداي يعد أعظم العلماء الذين أسهموا في علم الكهرباء، ويرجع لاكتشافه الفضل في صنع كل من المولدات والمحولات الكهربائية التي لاتزال حتى الآن تعمل طبقا للمبدأ الذي اكتشفه وشرحه السيد فاراداي قبل ما يقارب المائتي عام.
ما يميز فاراداي عن غيره من علماء العصر الحديث ليس فقط اكتشافاته، فهناك من يفوقه في الاكتشافات كنيوتن وأينشتاين، لكن لكونه لم يكمل تعليمه الابتدائي ومع ذلك برع في حقل علمي مهم وفي وقت كان يعج بأساتذة أكاديميين لهم إسهامات كبيرة مثل أفوجادرو ودوبلر ومورس وفولتا .. و.. و.. القائمة تطول. إذن، كيف توصل السيد فاراداي لهذه الاكتشافات العظيمة وهو لم يكمل حتى المرحلة الابتدائية في أوج عصر التنوير العلمي في أوروبا؟ هل كانت مجرد صدفة؟
لنتعرف قليلا على حياته: ولد عام 1791م في انجلترا من عائلة فقيرة، وبعد تركه المدرسة مبكرا ــ بسبب حاجته الملحة للمال ــ اتجه للعمل في تجليد الكتب وسكن مع زميلين له في غرفة صغيرة. من هناك بدأ يقرأ في مؤلفات علمية في حقل الكيمياء ثم الفيزياء لينبهر بهذه العلوم ويكتشف فيما بعد أن وقع في حب شيء جديد بالنسبة له، وجد في نفسه شغفا في التعلم أكثر فصار يذهب للاستماع إلى محاضرات علماء في المعهد الملكي ويسجل ملاحظاته التي نالت إعجاب أحد المحاضرين وعينه مساعدا في مختبره.
يبدو أن أكثر ماشد انتباه فاراداي هو تلك الاكتشافات في مجال الكهرباء، وبسبب فضوله المتنامي صار يستخدم القبو أسفل المختبر ليقوم بعمل تجارب ليختبر صحة ما يقرؤه عن إحدى الظواهر الكهربية، وتلك الظاهرة هي انحراف إبرة البوصلة بالقرب من قرص نحاسي دوار، لكن فضوله لم يتوقف عند هذا الحد، فصار يغير من نمط التجربة حتى توصل لفهم سبب الظاهرة، ولأن التساؤلات لا تنتهي ظل يصنع تجارب جديدة ــ جره إليها فضوله اللا محدود ــ فتوصل إلى أهم اكتشاف في تاريخ الكهرباء والذي يسمى بالحث الكهرومغناطيسي.
لكن ما كان ينقص فاراداي هو إجادة لغة العلم المفضلة: الرياضيات، فلم يستطع ترجمة اكتشافاته لصيغ رياضية حتى جاء جيمس ماكسويل ليضعها في معادلة رياضية جميلة..
ما يهمنا من قصة فاراداي هو إدراك أن الفضول المعرفي ابتداء بالقراءة ثم التوسع لطرح تساؤلات ومحاولة معرفة إجاباتها بواسطة التحليل العقلي والبحث و ــ إن أمكن ــ التجربة سيفتح آفاقا جديدة قد تؤدي إلى ابتكارات عظيمة تخلدها البشرية، قد تكون هناك عوامل بيولوجية وراثية لها تأثير على مدى الاهتمام وحب المعرفة لكن الغريزة التي قد نشترك فيها هي الرغبة في النجاح والتفوق المتميز وهذا يتحقق ــ إلى جانب عوامل أخرى ــ بوجود المعرفة، وكما قال الفيلسوف بيكون: “Knowledge is power”.. أو المعرفة قوة.