«إنما أموالكم وأولادكم فتنة».
ما جبل عليه الإنسان من النسيان والعصيان، جعله لا يتدبر الآيات وإلا ما وصل حال بعض الأسر وخاصة الثرية إلى أحاديث وحكايات الناس وسخرياتهم.
فكم من قضايا تعج بها المحاكم لإخوة من رحم واحد، اختلفوا وتصارعوا على ميراث أبيهم أو أمهم، فهذا يريد استئثار نفسه بأفضل ما ترك الوالدان، وهذا يريد حرمان أخواته البنات من حقوقهن، أو تمييز نفسه عنهن، فتقطعت الأرحام حتى أمرنا الله تعالى بوصلها، وساءت العلاقات بين الأشقاء، وتفككت عرى الأسر والعائلات، والسبب دائما هو الطمع البشري.
كانت تلك الصور المؤلمة ــ في اعتقادي ــ هي الدافع الذي حرك رجل الأعمال الثري السعودي سليمان الراجحي لأن يعلن أمام الشباب في لقائه معهم الأسبوع الماضي، أنه لم يعد يملك ريالا واحدا، بعد أن قسم ثروته في حياته بين أبنائه، وبعد أن خصص جزءا منها كوقف خيري.
لقد أعلن الراجحي أنه استشار العلماء قبل أن يقدم هذا العمل، الذي جاء برغبة شخصية منه، بعد أن شاهد الصراعات بين كثير من الأبناء حول ميراث ذويهم، وقال للشباب إن المال لله وحده، ولم تكن ثروته وأمواله إلا نتيجة ما تنعم به المملكة من أمن واستقرار، الأمر الذي مكنه من العمل بثقة، ودون خوف أو قلق.
لقد كانت حكمة الرجل وبصيرته النافذة، المحرك لهذا السلوك الذي قد يراه البعض غريبا، فهو بلا شك أراد أن يترك خلفه أبناء يدعون له ويترحمون عليه، بدل أن يدعوا عليه، ويرث برهم في حياته ومماته ويصنع أسرة متوادة متراحمة، منشئا مبدأ العدل بين الأبناء دون التفريق بينهم، وتتجلى حكمة سليمان الراجحي في رغبته في أن يتمتع أولاده أمام عينيه بالثروة، فربما كان من الأفضل أن يرى المال بين أيديهم، فيوجههم بخبرته وحنكته، إلى ما فيه الخير لهم ولبلادهم، فالمال آيل لهم لا محالة، إن عاجلا أم آجلا، ومن ثم يكون من الأفضل أن يراهم يتمتعون به أمام عينيه، وعلى النحو الأمثل والأكمل، فكم من أبناء ينتظرون، بل ويتمنون موت آبائهم وأمهاتهم حتى يرثوا أموالهم، فإذا ما حان الأجل، وصارت الأموال في أيديهم، تنازعوا فيما بينهم، وطمع كل امرئ في أخيه، بل وربما بددوا هذه الثروة التي شقي الآباء في اكتسابها، في غير وجوه الخير والإعمار والنماء.
لقد أدرك أن المال وسيلة للخير، قد يستغله البعض في غير ذلك، كما أدرك أن الأموال والأولاد فتنة، فأراد ــ أطال الله في عمره ــ أن يتقي هذه الفتنة، وأن يحافظ على ما هو أغلى من المال والجاه، على تلك العلاقات والأواصر الطيبة بين الأبناء.
الواضح من خلال هذا العمل أن الرجل لا يخاف الفقر، وإلا ما تنازل عن طيب خاطر عن كل ثروته لأبنائه، كما لم يغب عنه أن يديم عمله بعد أن يحين أجله، فشرع في بناء جامع ومستشفى، وهما مما تعالج بهما النفوس والأبدان.
لم يفت الرجل أيضا ــ وهذا من حكمته كذلك ــ أن يوصي الشباب بالعمل الجاد وأربع عشرة ساعة في اليوم لتحقيق النجاح، فما كان الرجل يوما كسولا، أو حالما، يريد أن يغتني ويثري، وهو خامل كسول.
كانت سلوكيات الراجحي تجاه أولاده، وأقواله مع شباب بلده، تجسيدا لحكمة وبعد نظر وتعقل ودراية بنفوس البشر، وخبرة بما يجري حوله، وهو ما لم أجد تعبيرا يصفه سوى أن أسميه بسليمان الحكيم، تقديرا لشخصه، وإعجابا بفعله.
dr_rasheed@windowslive.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة
أخبار ذات صلة