التنمية عملية شاملة لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية تهدف إلى تطوير المجتمع بمختلف جوانبه. حيث تتمحور حول إحداث تغيير نوعي في المجتمع تنقله من مرحلة إلى مرحلة أفضل, يكون هدفها رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة للمواطن من خلال خلق المؤسسات الفعالة القادرة على توفير الخدمات الضرورية للعيش حياةً كريمة. بنفس القدر التي تهدف إلى تحسين مستوى الخدمات التعليمية والصحية والتدريبية لكي ترفع من الكفاءة الإنتاجية لقوة العمل بما يمكنها من تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة. إنها عملية مقصودة ومخطط لها في جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, بحيث تتطلب تضافر العديد من الجهود لاسيما على المستوى الرسمي, لأن الجهات الرسمية هي المعنية بالمقام الأول باستشراف احتياجات المواطن والعمل على تحقيقها عطفاً على ما تملكه من إمكانيات وموارد. لذلك يمكن القول بأن تحديد الأهداف المرجو تحقيقها والتحديات والعوائق التي تواجه الخطط التنموية من النقاط المهمة في سبيل وضع رؤية مستقبلية بعيدة المدى لتطوير المجتمع. وقد عمدت الحكومة السعودية على تحقيق ذلك من خلال خطط التنمية الخمسية بدءًا من عام 1970م.
إن أحد الاهتمامات التي تضمنتها الخطة التنموية الثامنة التي نعيش في ظلها حالياً هو الهدف الثامن للخطة المتعلق بـ « تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة, وتضييق الفجوة التنموية فيما بينها». وقد تبنت الخطة مجموعة من الأسس الاستراتيجية التي تمكنها من تحقيق أهدافها المتنوعة من ضمنها تنمية الموارد البشرية وتأهيلها من خلال منظومة التعليم والتدريب وزيادة مخرجاتها الكمية والنوعية. في نفس الوقت الذي أولت الخطة اهتماماً أكبر للفئات المحتاجة من المواطنين والاهتمام بمعالجة ظاهرة الفقر التي تعتبر إحدى التحديات الخطيرة التي تواجه المجتمعات بدون استثناء.
من هنا تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين لمناطق المملكة المختلفة تعبيراً عن حرصه على تلمس احتياجات المناطق والوقوف شخصياً عليها وتدشين العديد من المشاريع الاستراتيجية والجبارة في سبيل تحقيق المستوى المنشود من التقدم والرقي. فالتحدي الأكبر أمام أي حكومة هو تحسين مستوى المعيشة لمختلف فئات المجتمع وفي مختلف المناطق, أي تحقيق التنمية المستدامة المتوازنة. فالتنمية المستدامة هي التي تأخذ في الحسبان احتياجات الأجيال الحالية دون الإضرار باستحقاقات الأجيال المستقبلية من خلال تنويع مصادر الدخل وتحقيق العدالة والمشاركة الفعالة لقطاعات المجتمع المختلفة. أما التنمية المتوازنة فهي من المسائل التي يحيق بها الكثير من المصاعب نتيجة تفاوت مستوى النمو والتطور داخل الدولة. بل أن ذلك ينطبق أيضاً على النظام الاقتصادي الدولي؛ حيث يبرز تفاوت في النمو بين الاقتصاديات الدولية بشكل ملموس مما يسبب مصدراً من مصادر الخلاف والقلق الاقتصاديين. وقد ركز الفكر الاقتصادي اليساري على التفاوت الواضح في النمو على مستوى العالم وفقاً للتقسيم المعروف المركز- الأطراف, مما يعني زيادة الفجوة الاقتصادية بين الدول الصناعية والدول النامية. وبنفس المنطق شدد المحدثون من أنصار هذا التنظير على إمكانية تطبيق ذلك على الاقتصاد المحلي حيث تحظى المدن بنصيب الأسد من المشاريع الصناعية وتشكل مركزاً للنشاط الاقتصادي وبالتالي تمركز الثروة وتوفر الخدمات والبنية التحتية اللازمة على حساب المناطق النائية أو الريفية.
إن توزيع الأنشطة والفعاليات الاقتصادية على أرجاء الوطن يتطلب توفر البنى التحتية الموائمة. ومن ثم حث الشركات على استغلال الفرص التنموية التي تنعم بها المناطق المختلفة نتيجة تنوع مصادرها الطبيعية والميزة النسبية التي قد تتمتع بها هذه المناطق من ناحية التكاليف النسبية للإنتاج. كما أن ذلك كفيل بتخفيف الضغط السكاني على المدن وبالتالي تقليل المخاطر الأمنية والاجتماعية التي عادة ما تصاحب الازدحام السكاني, تماماً كما هي وسيلة لخلق الفرص الوظيفية للأجيال الحالية والمستقبلية.
لقد استبشر الكثير من المواطنين بالمملكة للزيارات الكريمة التي قام بها ولاة الأمر وما تم اعتماده من مشاريع في هذه المناطق, تماماً كما هي فرحة المواطن بالقرارات التي اتخذتها القيادة في سبيل تخفيف وطأة الحياة على الفئات المحرومة والفقيرة من المجتمع من خلال دعم برامج الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية وغيرها. إن الزيارة الملكية الكريمة للمنطقة الجنوبية تحمل الكثير من بشائر الخير لاسيما وأنها بحاجة إلى الكثير من الخدمات والمرافق والمشاريع التي نأمل أن تكمل خطى الحكومة الحثيثة في تحقيق التنمية المتوازنة. بل أن الكثير من أبناء المنطقة ينتظرونها بفارغ الصبر لما لها بإذن الله من أثر أكيد في دفع عجلة التنمية إلى الأمام, بما يعود بالنفع على المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية.
التنمية المتوازنة
31 أكتوبر 2006 - 19:59
|
آخر تحديث 31 أكتوبر 2006 - 19:59
تابع قناة عكاظ على الواتساب