أثارت «مقبرة أمنا حواء» وسط جدة، جدلا كبيرا في السنوات الماضية بين فئات المجتمع الجداوي أو الإسلامي على حد سواء، فهناك من يقول إن مدينة جدة اقترن اسمها بأم البشرية «أمنا حواء» المدفونة في ترابها، وهي آراء مدفوعة ببعض الروايات كما جاء في كتاب الطبري وروايات أخرى في كتب التاريخ، وبما أنه لا توجد أية إثباتات تاريخية موثقة عن حقيقة القبر، ولم يأت ذكره في القرآن الكريم، ومن هنا تجد من يشكك في صدق الرواية التي تنسب هذا القبر إلى أمنا حواء وبالتالي ينكر وجود علاقة مباشرة بين ربط التسمية أو وجود قبر يحتضن رفات أمنا حواء أصلا، لتبقى الحقيقة عالقة بين الإنكار والإثبات في كافة الأحوال. ولسبر أغوار هذه المعضلة استطلعت «عكـاظ» آراء عدد من المتخصصين وأساتذة التاريخ حول حقيقة الأمر وكانت الحصيلة كالتالي:
حضارة قديمة
بداية، اعتبر أمين عام موسوعة مكة والمدينة الدكتور عباس طاشكندي، أن ما يدور حول مقبرة أمنا حواء هي قصص وحكايات وأساطير غير موثقة، فكل القصص التي تروى أسطورية، مشيرا إلى أن القصص المتداولة حولها تفاهات رواها الطبري وغيره، لافتا إلى أن تاريخنا مبني على الأساطير وما يحاك حولها غير حقيقة.
ويشير إلى أن قصة نزول أمنا حواء في جدة يعود لآراء المؤرخين، وفي علم التاريخ نوعان من الرواية رواية موثقة وأخرى إخبارية، والثانية هي مجموعة من القصص الأسطورية التي يتوارثها الناس، وكلها مبنية على الروايات الإخبارية وهي عمل غير موثق، وعمد المؤرخون المعاصرون إلى تحويل الرواية التي لا تدخل العقل رواية إخبارية، وإذا كانت موثقة وتدخل العقل فيعتبرونها رواية موثقة فنسبوا الروايات للقرآن أو الحديث أو لحدث معين لتجاوز الإخبارية وهذه الخطوة بدأت بعد تطور العلم الحديث.
ويرى الدكتور طاشكندي، أنه لا يوجد أمر إثباتي على وجود أمنا حواء في مقبرتها في موقعها المذكور في مدينة جدة، أو علاقة اقتران تسمية جدة بها أو حتى نزول أمنا حواء في جدة أصلا، نظرا لعدم وجود إنسان في هذه البقعة إبان وجود أمنا حواء حتى يوثق لنا هذا. واختتم حديثه بالقول: «لمدينة جدة حضارة قديمة سكنت منطقة الرحيلي حيث المرتفعات الجبلية قبل أربعة آلاف عام تقريبا، وفق الروايات التاريخية للطبري وهي روايات غير موثقة».
تواتر الأجداد
من جهته، أكد أستاذ تاريخ الجزيرة العربية في جامعة أم القرى الدكتور فواز آل دهاس، أن النصوص التاريخية ذكرت تعارف أبونا آدم وأمنا حواء في عرفات، وهي روايات موجودة في كتب التاريخ العام والطبري، وجميعها معلومات مصدرها التواتر ونقل الروايات من جيل إلى آخر، وحول حقيقة وجود قبر أمنا حواء في جدة قال: هذه المعلومة نقلت إلينا بالتواتر ـ الخلف عن السلف، ولم نطلع على أي خبر ينفيها أو يؤكدها في مصادر التاريخ الإسلامية القديمة، لذلك لا يمكن إثبات أو إنكار هذه الأسطورة إلا بمستند تاريخي نعتمد عليه، ومع هذا لا يمكننا إنكار مثل هذه الأمور، ولسنا بحاجة إلى الانسلاخ عن التاريخ، خاصة أن الغرب يتشبث بالتاريخ ونحن ما يضرنا أن نقول إن حواء مقبورة هنا، والآراء التي تتحدث عن إنكار وجودها هي دون إثبات، وخلص إلى القول: «يقال إن اسم جدة اقترن بجدتنا «أي أمنا حواء» وحتى هذا القول لا يمكن إنكاره أو إثباته».
استنطاق الحدث
إلى ذلك، يبين عضو جمعية التاريخ والآثار في دول مجلس التعـــاون الخليجي علي السبيعي، عدم وجود نص قطـــعــــي أو أثر معين يعتمد على استنطـــــاق الحدث أو التاريخ، وحقيقة المقبرة مــــن عدمها تعــتـمـد كليا على الظن، وفي جدة مقــبـــرة مـعــروفــــة بمـقـــبرة «أمنا حواء» وكان يوجد بها قـــبـــر كبير يقـــــال إن أمنا حواء مـــدفـــونـــة فــيـــه، وكان طــول القــبـــر كــبــيــر جدا مقـــارنة بطــــول أبــونا آدم والـــذي يرى بعض المـــؤرخـين أن طـــولــــه فــي حدود 60 ذراعــــا أي 39 مترا تقـــريـــبا، وبعـــد أخذ المقـــاسات وتحديد اتجـــاه الرأس والقــــدمين، أتضح أن الأمـــر لا يعـــدو كونه خـــزعبلات ومعضــلــــة لا يصدقها العقل أو الدين.
مرجعين وجودها للتواتر والقصص الأسطورية .. مختصون في التاريخ لـ «عكـاظ» :
مقبرة «أمنا حواء» .. رواية ظنية لا تسندها الحقائق
6 أكتوبر 2011 - 21:36
|
آخر تحديث 6 أكتوبر 2011 - 21:36
مقبرة «أمنا حواء» .. رواية ظنية لا تسندها الحقائق
تابع قناة عكاظ على الواتساب
شريف بن أحمد ـ جدة