اشتهر عن رجال الأمن صلابتهم وصرامة تعاملاتهم، فهم عاشوا حياة تطلبت منهم الحزم والقوة في تنفيذ الأوامر والتعليمات بكل اهتمام ودون تأخير، ما ينعكس على حياتهم الخاصة وتعاملهم مع الآخرين، إلا أن بعضهم، ما إن يغادروا ميادين العمل حتى يعودوا أشبه بغيمة خير تسوقها الأقدار نحو المحتاجين والفقراء لتروي عطشهم وتسد حاجاتهم.
برز الشيخ عبدالله بن راشد البصيلي قائد الحرس الملكي الأسبق الذي ولد في البكيرية في منطقة القصيم وعاش فيها حياة البسطاء وجمع في مسيرته بين الحزم والإنسانية، فهو كان يعيش مع 25 فردا من أسرته في منزل واحد يجمع والده وأعمامه الأربعة، يتقاسمون فيه الخبز والماء و«البلح» الذي كانت تسقطه نخيل بستان المنزل، واستطاع أن يتغلب على تلك الظروف بحثا عن حياة أخرى تحقق آماله وطموحه، وقرر وهو في الـ 16 عاما أن يشد رحاله إلى عاصمة الوطن «الرياض» في أول رحلة تحول في حياته، تلك المدينة التي لا حياة فيها بلا عمل، لذا قرر أن يأخذ بنصيحة شقيقه محمد، ويلتحق في قطاع «الحرس الملكي» في عهد الملك عبدالعزيز ــ يرحمه الله.
وبالرغم من الرفض الذي واجهه عند طلبه الانضمام للحرس بسبب صغر سنه، إلا أن قائد الجهاز في ذلك الوقت سعيد جودت منح البصيلي الأمل بعد أن شاهد الإحباط يكسو ملامحه والحزن مرسوم على وجهه، فقرر قبوله وإلحاقه في دورات مكثفة وأسكانه مع الجنود حتى يتهيأ للعمل في الحرس الملكي.
وانتهى المطاف بذلك الفتى المكافح الذي رفض تعيينه على رتبة عريف مطالبا أن يكون جنديا وسط استغراب زملائه، فما كان من قائد السرية إلا أن أصدر أمره بإيداع البصيلي السجن حتى يتراجع عن رفضه القرارات العسكرية، ومن ثم انطلق بعد أن وافق على رتبته الممنوحة، وبدأ يخطو حياته نحو المجد بشكل متسارع حتى أصبح قائدا للقطاع.
واصل البصيلي حياته العملية في الحرس الملكي في عهد الملك المؤسس حتى أصبح في الوظائف والرتب ليصبح في عهد الملك فيصل قائدا للحرس الملكي ليواصل مهام عمله في عهد الملك خالد ثم عهد الملك فهد إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1407هـ، إذ أصيب بمرض اضطره السفر للعلاج، وبدأ رحتله من مصر، الهند، وباكستان، وما أن علم الملك فهد ــ يرحمه الله ــ أمرا بإرساله إلى أمريكا لاستكمال علاجه، وفي هذه الأثناء طلب من ولي العهد آنذاك «الملك عبدالله بن عبدالعزيز» أن ينقل رغبته إلى الملك فهد في إحالته إلى التقاعد، إلا أن الملك رفض مطلبه وهو في انتظار شفائه حتى يواصل عمله قائدا في الحرس الملكي، إلا أن إصراره واستمرار أعراض مرضه جعلته يكرر مطلبه، والذي انتهى إلى إحالته للتقاعد عام 1407 وتعيينه مستشار في الديوان الملك برتبة وزير تكريما ووفاء نظير خدمته لدينه ووطنه من عدة عقود، واستمر حتى العام 1419هـ.
وفي حياته الخاصة كان للشيخ البصيلي زوجتان أنجب منهن 14 من الأبناء، ست أولاد، وثماني بنات، وعرف عنه حبه للخير والعمل الإنساني، فكان يصرف عشرات الملايين في سبيل الله ومساعدة المحتاجين، حيث شهد أحد مجالسه مداخلة شاب من أصدقائه عندما قال له «لو كنت أبي لحجرت عليك وعلى أموالك.. كيف تصرف هذه الملايين هكذا، أسرتك أولى بها.. فكان رده مداعبا الشاب الحمد لله أنك لست ولدي».
وقدم البصيلي نموذجا خاصا في الوفاء لزوجته (أم عبدالرحمن) بعد رحيلها، وأوقف لها 20 مسجدا في تبوك والطائف، وعشرة منازل للأيتام في مصر، ووزع ست شاحنات من الأرزاق والمواد الغذائية على الفقراء والمساكين.
الوطن يودع «الحارس الملكي» عبدالله البصيلي
30 يوليو 2011 - 20:24
|
آخر تحديث 30 يوليو 2011 - 20:24
الوطن يودع «الحارس الملكي» عبدالله البصيلي
تابع قناة عكاظ على الواتساب
أحمد الكناني ــ جدة