الأمثال موجودة في ثقافات جميع الشعوب، وهي وإن كانت في مضمونها تعكس محتوى الثقافة التي انبثقت منها، إلا أنها تكاد تشترك جميعها في سمات خاصة تغلب على جميع الأمثال، فمعظم الأمثال تتسم بطابع السخرية والفكاهة، والنقد اللاذع، وأسلوب السجع الذي يسهل على الناس حفظ المثل وتداوله، وعدم معرفة قائلها أو مصدرها. أما عن صدق المثل ومطابقته للواقع فهذا أمر آخر، فالأمثال ليست دائما صادقة أو مطابقة للواقع والحق، هي أقرب إلى أن تكون مجرد تعبير عما في نفس قائلها إثر تجربة خاصة مرت به، لذلك نجد أحيانا بعض الأمثال تتضارب فيما بينها، فيناقض بعضها بعضا. كقول (أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) الذي يناقضه قول (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود).
ورغم أن الأمثال الشعبية، مقارنة بالفصحى تبدو أكثر انتشارا وتداولا في أحاديث الناس، إلا أن الاستشهاد بالأمثلة بصورة عامة قل بين الأجيال المعاصرة مما يتوقع معه احتمال تلاشي الأمثال واندثارها من أقوال الناس خلال السنين القادمة خاصة أن الذين يكثر في حديثهم ترديد الأمثال حاليا هم في أغلبهم من الكبار في السن الذين يمثلون الأجيال السابقة، ومتى غابوا ربما تغيب معهم تلك الأمثال.
وإذا كانت كتب التراث حفظت لنا كثيرا من الأمثال الفصحى فإننا في حاجة إلى تدوين الأمثال الشعبية لحفظها، فهي تعكس مفاهيم وقيم وعادات المجتمع في فترة من فترات تاريخه، وهذا ما يجعل تدوين الأمثال الشعبية أمرا مهما وضروريا. وقد استشعرت هذه الحاجة الأستاذة الفنانة التشكيلية اعتدال عطيوي، فألفت كتابا عن (الأمثال الشعبية الحجازية) جمعت فيه عددا من الأمثال الشعبية في جدة ومكة والمدينة، التي استقتها مباشرة من أفواه عدد من السيدات الاخباريات، اللاتي يحفظن كثيرا من الأمثال المتوارثة عن الأجيال السابقة. مثل (من باعك بالفول، بيعة بقشره)، (من ساب قديمه تاه)، (من باعك بيعه ولا لك بملقاه حاجة)، (ما وحشتونا ولا لنا فيكم رغبة، كتر الأسى يقطع عروق المحبة)، (اللي تطول غيبته، تقل محبته)، (زرت اللي ما يحبوني حطوني في المقعد ونسيوني)، (على وشك بيان يا مداغ اللبان)، (لا يفوته فايت، ولا طبيخ بايت)، (لبة ودقة، ونوم في الأزقة، ولا دجاجة وراها مشقة). واللبة لمن لا يعرف هي الخبز، و(الدقة) خليط من البهارات. وحسب ما يفهم من المثل، يبدو فيه التحريض على الكسل وعدم إجهاد النفس، حتى وإن كان التعب سيجلب كسبا ماديا أفضل، ولا أستبعد أن مصدره شخص كسول..
الكتاب مصدر ثري بالأمثلة الشعبية، يحتاج إليه الباحثون في اللهجات الشعبية، والدارسون لأحوال المجتمعات ومدى تأثر ثقافاتها وعاداتها وقيمها بالعوامل البيئية والاقتصادية والطبيعية المحيطة بها.
أشكر الأستاذة اعتدال عطيوي على إهدائي كتابها المميز هذا، كما أهنئها على صدوره.
فاكس 4555382-01


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة