شغل أولو الألباب، أي أصحاب العقول المتدبرة المتفكرة، حيزا كبيرا في الخطاب الرباني في القرآن الكريم، فوجدنا كثيرا من الآيات الموجهة إليهم نحو قوله تعالى: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وقوله تعالى «فاتقوا الله يا أولي الألباب» وقوله جل شأنه: «فاعتبروا يا أولي الأبصار»، كما حظي هؤلاء، أصحاب الألباب والأبصار، المتدبرون والمتفكرون في ملكوت الله تعالى، بتقدير الخالق لهم، والثناء عليهم في مواضع شتى من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: «إنما يتذكر أولو الألباب» وقوله: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب» وقوله: «هدى وذكرى لأولي الألباب».
تذكرت هذا كله وأنا أقرأ بيت شعر يقول:
ألم تر أن العقل زين لأهله
وأن كمال العقل طول التجارب
فقد ربط البيت بين كمال العقل، وتراكم الخبرات، لأن هذه الخبرات هي التي تمنحه الكمال، وإذا بلغ الكمال كان زينا لأهله، والعكس صحيح تماما، فقلة الخبرات تقدم لنا عقولا غير ناضجة، تعجز عن التصرف في كثير من مواقف الحياة، بل يصيبها الشلل عند مواجهة الأزمات، ومن ثم تصبح هذه العقول الناقصة، عديمة الخبرة، عيبا في شخصيات أصحابها، وهناك علاقة واضحة بين الحنكة والخبرة، وكمال العقل واتزان الشخصية وسلامتها ونضجها.
تذكرت هذه المعاني كلها أيضا وأنا أتأمل مواقف البعض في مجتمعنا وبخاصة هؤلاء الذين يتولون مناصب كبرى، ومسؤولية جماهيرية خطيرة، فإذا واجهتهم مشكلة ما أو ظهرت أزمة أمامهم، عجزوا عن حلها، بل وفشلوا في التعامل معها، نتيجة قلة خبراتهم، وضحالة تجاربهم في مجال الحياة بشكل عام، وفي مجال العمل الوظيفي، على وجه الخصوص.
وهذا ماحدث بالفعل في كارثة سيول جدة، وكنا قبلها في حالة من «التخدير» الاجتماعي نتيجة معسول التصريحات، وعدم تقدير المسؤوليات، فاعتقدنا بأن كل شيء على مايرام، وأنه ليس في الإمكان أبدع وأجمل وأحلى مما كان، فإذا بالسيول تكشف لنا وجوه التقصير، ووجوه الخداع، التقصير في أداء المهام، وتقدير المواقف، ومعالجة الأزمات، والخداع في تلك الأقوال التي نسمعها في المقابلات المرئية، ونطالعها في الحوارات المكتوبة.
إن ضحالة الخبرات عند كثير من قطاع كبير ممن يتولون العمل في المواقع الجماهيرية، لتنعكس على تكوين عقول هؤلاء، التي تصبح ــ وفقا لمعنى البيت الذي سقته آنفا ــ ناقصة وقاصرة وغير مؤهلة للعمل السليم، ولردود الفعل السريعة، ومن ثم يصبح هذا كله عيبا خطيرا في شخصيات هؤلاء، والطامة الكبرى، أن قطاعات عريضة من البشر تصيبها توابع هذا العيب، وآثار نقص العقل، وقلة الخبرة.
وهذا كله يؤكد أهمية عدم إسناد أي موقع جماهيري، وأي وظيفة كبرى تتعلق بالمواطنين، لأي من كان وإنما لأرباب الخبرة، الذين حباهم الله تعالى بعقول استحقوا من أجلها هذه الصور العديدة من الخطاب الرباني، والثناء الإلهي.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة
ألم تر أن العقل زين لأهله
5 يناير 2010 - 22:18
|
آخر تحديث 5 يناير 2010 - 22:18
تابع قناة عكاظ على الواتساب