كم وكم يندد المنظرون الإسلاميون بنظرية «صدام الحضارات» للعالم الأمريكي «د.صموئيل هنتينجتون» لكن ما يلبثوا يذكرون الآيتين الكريمتين (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).(البقرة:251)، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا).(الحج:40). ويوظفونهما للتدليل على أن «التدافع» والصدام الدموي بين الحضارات هو السنة الإلهية الأصلية في الأرض، وهذا وللأسف الرأي والاعتقاد السائد لدى المسلمين إلا من رجع إلى المصادر الأصلية للمعرفة الإسلامية، فكتب التفسير تذكر معنيين شموليين لمبدأ «الدفع»مع ملاحظة الفارق بين مصطلح «الدفع» الوارد في القرآن والذي يحتمل المعنيين الشموليين، وبين مصطلح «التدافع» المتداول الذي لا يحتمل إلا معنى التصادم، فقد أورد المفسرون أن «الدفع» هو بمعنى دفع العقوبة عن المسيئين في الأرض لأجل المحسنين «لولا دفاع الله بالبر عن الفاجر لهلك أهلها..قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء». وقال: «إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ـ بيته ـ ودويرات حوله، ولايزالون في حفظ الله ما دام فيهم» . الطبري. وهو أيضا بمعنى قول النبي في وقفة عرفة (إن الله تطول ـ تفضل ـ عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم). ابن ماجة. أي أنعم على المسيئين لأجل المحسنين، وقال القرطبي: «ولولا دفع الله العذاب بدعاء الفضلاء والأخيار إلى غير ذلك...» وبمثل هذا يفترض أن يدعو الداعي بأن يتفضل الله على المسيئين ويقيهم العذاب لأجل المحسنين، وليس بأن يدعو على الذين يعتقد أنهم مسيئون بالسرطان والهلاك، فيكون دعاؤه على نمط دعاء الأعرابي (اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا)! والمعنى الثاني؛ (كفه ـ سبحانه ـ ببعضهم عن التظالم، كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم، وكفه بمن أجاز شهادته حتى لا يضيع حق صاحب حق. وكل ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض، لولا ذلك لتظالموا، فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم ـ كنائسهم ـ .) الطبري. وتحت هذا المعنى يدخل عموم مبدأ دفع المظالم عن المسلمين وغيرهم، والإجماع في قول المفسرين؛ بأن آية الدفع تضمنت منعا لتهديم دور العبادة لليهود والنصارى. وبالطبع هذا التفسير سيأتي مفاجئا للكثيرين الذين تربوا على أن التفسير المفترض للآيات هو أنها تقرير لمبدأ أن الأصل هو العداوة والصدام الدموي التدميري بين الحضارات بل حتى بين أفراد المجتمع المسلم الواحد عند وجود رأي مختلف، بينما القرآن واضح في تقرير أن حكمة الله تعالى اقتضت التنوع للتعارف والتعاون (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم). (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين). وعودة لـ«هنتينجتون» الذي لم يدع لصراع الحضارات، إنما قدم نظريته بناء على الاتجاهات العامة للصراعات منذ الحرب العالمية الثانية، بينما كثيرون من المنظرين الإسلاميين شوهوا مبدأ «الدفع» في القرآن وسوغوا به فوضى التصادم الدموي الدائم والإرهاب في الداخل والخارج، لكن حقيقة وكما ورد في كتب التفسير «الدفع» هو تقرير لمبادئ السلام والرحمة والسماحة والتعايش والتضامن والفداء والنظام.
bushra.sbe@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة
مفهوم التدافع المظلوم..دفع لا تدافع
21 يونيو 2009 - 00:43
|
آخر تحديث 21 يونيو 2009 - 00:43
تابع قناة عكاظ على الواتساب