-A +A
فهد الرياعي، عبد الرحمن القرني ـ عسير
يستغرب من يزور منطقة عسير، ويرى فيها رجالا يعصبون رؤوسهم بالنباتات العطرية، ولكن علامات الدهشة هذه سرعان ماتختفي بمجرد العلم أن هذه الظاهرة من التقاليد الضاربة بعروقها في المنطقة على امتداد جبال السراة، هي نوع من أنواع الزينة توارثها أبناء المنطقة جيلا بعد جيل، وحافظوا عليها من الاندثار في غمرة الحضارة التي اجتاحت المنطقة وسيطرت على مظاهر الحياة فيها. تتعدد مسميات عصابة الرأس باختلاف المناطق في عسير. ففي المناطق الجبلية المرتفعة تسمى «الغراس» أو «اللوية» وفي تهامة يتعارف عليها باسم «المخضارة» أو «الخظور». وتصنعها النساء لرجالهن ، على شكل طوق مزين بالنباتات العطرية، كالكادي والبرك والريحان والورد والبعيثران والوزاب والسكب وغيرها. ويضع الرجل الجنوبي هذه الغراس على رأسه لتزين شعره وتضفي عليه رائحة عطرية، ويحرص على ذلك عند حضور المناسبات الاجتماعية والذهاب إلى الصلاة وخاصة الجمعة. ويحرص العسيري على ارتداء الغراس، كإشارة إلى محافظته على هذه العادة الأصيلة وتعبيرا عن عشقه لزهور ورياحين المنطقة، والتي يعتبرها من أشجار الجنة نسبة إلى ماجاء في الأثر بأن «الريحان عطر أهل الجنة». ويرى يحيى الريثي أن ربط الرأس بالغراس تقليد ضارب في القدم لدى أبناء المنطقة الذين ولدوا وتربوا منذ طفولتهم على لبسه كعادة رجالية، مشيرا إلى أن اللوية أو العصابة اشتقت تسميتها من طريقة وضعها على الرأس، فهناك من يعصبها على رأسه فتسمى عصابة، وهناك من يلويها فقط على الرأس وتسمى في هذه الحالة لوية.
وكانت النساء قديما تقوم بحياكتها بطريقة فنية ومتناسقة في منازلهن، لدرجة أنهن يتنافسن فيما بينهن حول العصابة الأكثر جمالا والأزكى رائحة، أما الآن فيمكن شرائها من كبيرات السن المتواجدات في أسواق المنطقة الشعبية.

والعصابة لا تدوم طويلا بحكم أنها نباتات تتعرض للجفاف ومع ذلك تحتفظ بعبقها ورائحتها الزكية حتى بعد ذبولها، ويمكن الاستفادة منها في هذه الحالة بطحنها وتعليقها لاحتفاظها بالرائحة لمدة طويلة، وهي تحتاج إلى عناية خاصة خلال لبسها ونزعها كي لا تسقط منها النباتات.
وبحسب فاطمة عسيري (صانعة عصابات في سوق شعبي في عسير) يستغرق صنع الطوق الواحد من العصبة المزينة بالورد والريحان، نصف ساعة وتباع بعشرة ريالات. وتشير إلى أن هناك إقبالا كبيرا من الرجال على شراء العصابات للتزين بها في مختلف المناسبات. ولا تخفي استياءها من منافسة بعض العمالة الأجنبية لهن في صنع العصابات، تقول: «هؤلاء لا يتقنون هذا الفن العسيري الخالص ولا يعرفون كيفية تنسق الزهور والورود في العصابة، ولكن جهل البعض بمعرفة جودة العصابة يدفعهم لشرائها كيفما اتفق».