القادم إلى جدة لا بد أن يستريح في مقهى (بشيبش)، وهو اسم لرجل بسيط ذاع صيته حتى وصل القرى والضواحي، ترى فلا تظنه ـ من بساطته ـ سوى عامل في المقهى، وكان هذا المقهى مقر القادمين والعابرين من باب مكة، فعلى مسافة قصيرة منه يقع موقف الجنوب وغير بعيد منه يقع موقف مكة. لا يمكن أن يتوه أحد هنا فالمعالم معروفة والكل يعرف وجهته ولا يحتاج إلى أحد يسأله، والمحلات معروفة تعدها على أصابع اليد وبالتالي لا أحد يتوه، الضجيج يتعالى بعد صلاة الفجر حيث تسمع صياح بائعي الخضرة وحلقة الأغنام، بل وحتى حلقة (الحمير)، وفي الجانب الآخر يجلس باعة السمن والحبال والأشرعة والخيام، حفلة يومية تتناغم فيها أصوات الباعة مع حركة العابرين. علي سالم بابكري (78 عاما) يسترجع تلك الذكريات بالكثير من الحنين، فقد تنفس أجواءها ولازال يتذكر أسماء ارتبط ذكرها بباب مكة وأناسا كانوا من رواده، ومحلات كانت معلما بارزا من معالمه، كان العم علي يعرف في تلك الفترة كتاجر للشاي والجراك في محل (باعشن) والمحل الذي عايش تلك الحقبة من تاريخ باب مكة لازال كما هولم يتغير، بل أن عددا من المحلات المجاورة له لازالت تحتفظ بهيئتها منذ تلك الفترة. يقول بابكري: أعمل لدى باعشن الذي أسرني بحبه وحفاوته، ولم يخطر لي في يوم ما أن أستقل بنفسي، ويكون لي محل خاص امتنانا للرجل، وأكاد أجزم أنني عايشت باب مكة كل عمري تقريبا، وكانت قهوة بشيبش من أهم معالمه، ولا زلت أتذكر بشيبش، فكان رجلا من (حرب) على ما أذكر بسيط وطيب، وكان المقهى الخاص به مقصد القادمين إلى جدة، وهناك محل العم محمد علي بنوي تاجر المسامير، وقد أصبح فيما بعد تاجر المكائن والمعدات والحديد، وفي الأصل كان نجارا، وهناك (باخشب) متعهد المسافرين إلى مكة، أما الناحية الجنوبية من باب مكة، فلم يكن بها أي محل وإنما أرض فضاء بها صهاريج الماء. تلك الصهاريج الممتدة في تلك المساحة كان الجميع يستخدمها للحصول على مياه الأمطار، فقد بنيت لتخزين الماء بعد هطول الأمطار ولم يكن هناك مصدر للمياه عدا تلك الخزانات.
التسمية مجهولة
عبدالله علي محمد باصبرين (70 عاما) تاجر الخردوات يقول: كان باب مكة قلب جدة النابض، فكل شيء تريده موجود في باب مكة ابتداء من الخبز وانتهاء بالأدوات الزراعية أو المكائن وحتى المسامير، ومما يميز أسواق باب مكة هو أسعارها المعقولة، وتوفر السلع بشكل دائم وكان يحيط بباب مكة سوق البدو، وسوق العلوي، وأصبح يمتد حتى وصل حتى كيلو2، أما لماذا سمي باب مكة بهذا الاسم الذي تناقله الناس زمانا، فهذا غير معروف.
كانت الحركة التجارية في باب مكة نشطة، وكان محلي من المحلات التي لازالت تحمل أرث باب مكة لا تهدأ فيه الحركة، لكن حاليا مع كثرة محلات الخردوات، ورحيل سكان البلد إلى شمال جدة، وصعوبة الحصول على مواقف لسياراتهم أصبح النشاط متفاوتا وليس بمثل تلك الأيام.
يحدد حسين محمد العسيري موقع باب مكة من مقبرة الأسد من الناحية الجنوبية إلى سوق البدو من الناحية الغربية، ومسجد الملك عبدالعزيز شرقا، وباب شريف شمالا، حيث كانت توجد عمارة تعتبر المدخل الرئيسي للقادمين من الصحيفة والكندرة، وكانت تنتشر هناك محلات الحلويات (حلاوة العسل والفستق وأنواع البسكويت)، وهناك كانت توجد حلقة الخضار وحلقة اللحم (حوالى سبعة محلات خاصة ببيع اللحم)
وكانت تقع بجوارها حلقة الغنم والحمير وسوق الحمام وحلقة البرسيم، وهي مكان بيع العصي والبواكير حاليا، ثم يأتي بعد ذلك مستشفى باب شريف الذي يعتبر من أقدم مستشفيات جدة.
ومازلت أذكر تلك المراجيح العملاقة التي كانت تنصب قبيل أيام العيد، تلك المراجيح تم بناؤها على أعمدة (المبرقات) الخشبية الطويلة جدا.
ويتداخل علي سالم بن يحيى قائلا: من أمتع ما يستمتع بها القادم لباب مكة تلك اللحظات التي تكون بعد صلاة الفجر حيث تسمع أصوات الباعة سواء في حلقة الخضار أو المحلات كل ينادي على بضاعته، وكذلك أصوات سائقي السيارات المنطلقين نحو الجنوب.
إبراهيم يحي الزوتي بائع الحبوب في باب مكة تحدث هو الآخر قائلا: نحن معروفون ببيع الحبوب بكافة أشكالها من الدخن للقمح والذرة الحمراء والبيضاء والبهارات بأنواعها الكثيرة، منها بلدي، والجزء الآخر يتم إحضاره من الهند وتركيا واليمن والحبشة، وأغلب الناس لازال حتى الآن يأتي لشراء الدخن والعدس من هنا عن أي مكان آخر.
المقادم والكبدة
أما أمين أبو محمد بائع المقادم والكبدة والكلاوي فقد قال: من أشهر المحلات في باب مكة تلك التي تختص في بيع المقادم والكبدة والكلاوي والعصبان، وهو ما تمتاز به عن بقية الأسواق الأخرى، وهذا المحل توارثناه أبا عن جد وأخيرا صار لي، عملنا متخصص فيها فقط، ونقوم بإحضارها بالاتفاق مع أصحاب الذبائح سواء في المسلخ أو المطابخ أو قصور الأفراح، ولهذا تكون بضاعتنا طازجة يوميا، ولا نحتفظ بشيء منه للغد، ومن فضل الله هناك من يأتي للبحث عنها ويزداد الطلب عليها خلال شهر رمضان المبارك وفي موسم الحج وأيام البرد.
من مراجيح الأطفال إلى بيع السمن والعسل
بـــاب مكــة يخــتــــــــزن ذاكــــــــــرة جــــــــــــدة
19 مارس 2009 - 21:18
|
آخر تحديث 19 مارس 2009 - 21:18
تابع قناة عكاظ على الواتساب
حسين الحجاجي ـ جدة