قبل ثلاث سنوات كان أحمد الغامدي 26 عاما لا يجرؤ على المساس بشاربه أو إخضاعه لموس الحلاق. ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات من أهمها أنه يخجل من ملاقاة والده ومجتمعه بشارب خفيف أو حليق. اليوم اختفى الشارب من وجه الغامدي بعد أن اكتفى بـ«السكسوكة» الكثيفة، متماشيا مع الموضة والمظهر الشبابي العام. يقول «مكانة الشارب خفتت كثيرا ولم يعد يحمل تلك الأهمية كالسابق، حتى والدي لم يعد يعنيه هذا الأمر فهو يتقبل مظهري الجديد دون أي تعليق». الشارب أو «الشنب» الذي كان يتعدى في رمزيته أنه تعبير عن الخشونة والرجولة، إلى القيمة الأخلاقية التي يحملها في المجتمع السعودي، أصبح في مهب الريح لدى فئة الشباب على وجه الخصوص.
حلق الشارب
في السابق كان الرجل يفتخر بشاربه في حال تعهد بعمل أمر ما، وعلى النقيض يهدد بحلقه إذا لم يثق به الآخر أو شكك في قدرته على تنفيذ وعده. ويصل الشارب بصاحبه إلى تحمل الدم والعدوانية لكي لا يقال أن «فلان لا يحمي شاربه». وهناك من يعتبر محارمهم وقريباتهم بمثابة الشعر في الشارب، كناية عن القيمة العالية والمبالغة في الحمية. واشتهرت مفاهيم اجتماعية كرست لمكانة الشوارب وأصبحت أمثالا محكية إلى يومنا مثل؛ الرجل يلزم من شاربه والرجال على قدر شواربها. وفي المقابل هناك من يطلق على المرأة العظيمة التي تكون في أفعالها مميزة أنها «امرأة بشارب رجال».
أنواع الشوارب
والشوارب أنواع منها الكثيف و الخفيف و الطويل والقصير الذي يتمركز تحت الأنف وهناك «المعكوف» وهو الأشهر عند أهل البادية، وقد تغنى بالشوارب الشعراء، وقال أحدهم: «لا هنت يا رجل الوفا والمهمات-يا مدسم أشناب الرجال المعاكيف».
الستيني حمد الروقي، يتذكر قيمة الشارب في المجتمع، وكيف أن الرجال يتسابقون على الاعتناء بشواربهم وتجميلها. يقول «كنا وآباؤنا نتعامل مع الشوارب بطريقة خاصة، نزينها وندهنها بالسمن لإظهارها بالشكل الجميل، وحتى يقال إن الشنب يلمع من الدسم لإثبات أن صاحبه في خير ويأكل اللحم». الروقي ما زال يحتفظ بشاربه الكثيف، يؤكد «الموت أشرف لي من حلق شنبي».
حقبة الشوارب انتهت
وعلى الجانب الآخر هناك من يعتقد أن حلق الشنب أو التخفيف منه يعطي وجه الرجل لمحة جمالية ويجعل الشاب أكثر أناقة، وهو ما يؤكده الشاب الثلاثيني منصور القنفذي. هو يحلق شاربه في الأسبوع مرة أو مرتين، تماما كما يفعل أصدقاؤه وزملاؤه في العمل. «بحسب قوله». «الوقت تغير وموضة الشوارب الطويلة لم تعد مسايرة للعصر كما أن حقبة الشوارب التي كانت تعد فيها رمزا للرجولة انتهت».
وليس جميع الشباب لديهم نفس القناعة، فالشاب جهز المطيري (32 عاما) يعتبر أن «الرجل بلا شوارب يبدو كالمرأة ومظهره غير مألوف» ويعتقد أن أهم ما يميز الفتاة عن الشاب هو الشارب. يقول «بسبب الموضة أصبحت المرأة تقلد الرجل في الملابس، والرجل يقترب من المرأة بحلق شاربه».
ومع انتشار ظاهرة حلق «الأشناب»، ظهرت قصات غريبة للشوارب تطورت حتى أصبحت موضة. الحلاق التركي كمال أحمد يقول: إن حلاقة الشارب أصبحت شائعة خصوصا بين فئة الشباب، ودخل على الخط موضة «السكسوكة» وأنواعها. ويؤكد «لا بد أن تتناسب حلاقة الشارب والسكسوكة مع مظهر الوجه».
تقليد الغرب
ومن جهته يقرأ أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عبدالرحمن العمري، هذه الحالة بقوله «كانت المرأة قبل ثلاثة عقود تعجب بالعضلات القوية والشوارب العريضة لأنها تعتبر دلالة على القوة والرجولة لكن المرأة الآن لم تعد تنظر إلى الشارب كدليل للقوة والرجولة إنما تنظر إلى ثقافة الرجل وعلاقاته الاجتماعية وقوة شخصيته وغالبا مستواه المادي».
وبالنسبة لحلق الشوارب كظاهرة وبروز طرق جديدة في قصها أو التخفيف منها مسايرة للموضة و«النيولوك»، يقول إن ذلك ناتج عن التعلق بالنجوم والأبطال والتقليعات التي يقومون بها في اللبس أو شكل الشعر وما إلى ذلك وهذه ظاهرة اعتيادية في مرحلة المراهقة.
وطالب العمري بضرورة أن يكون هناك تواصل بين الأجيال حتى لا تختفي المظاهر الجيدة ولإعطاء الجيل الشاب جرعة من العادات والتقاليد. ويضيف «أنا هنا لا أسجل معارضة كاملة أمام حلق الشوارب بقدر ما أريد أن تكون عملية قص الشوارب بطريقة لايظهر فيها تشبه بالغرب أو تغيير غير مقبول لشكل الشارب، والإنسان بطبيعته يسعى للأفضل والأحسن دائماً ولابد من التفريق بين تقليد القوالب الجامدة الشكلية الفارغة وبين الوصول إلى المضمون المناسب لثقافتنا وديننا ومجتمعنا العربي الاصيل».
الإعلام وتأثيره
ومن المراقبين من يرى أن التأثير الإعلامي عبر قنوات الفضاء، له الدور الأبرز في خلق التحولات المجتمعية والانتقال من مظهر إلى آخر، الدكتور علي بن ظافر القرني أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز. يقول «وسائل الإعلام بما تعرضه ذات أثر على المتلقي خاصة بعد الانتشار الكبير لها وتعدد قنواتها، وهناك قنوات صادمة ولا تنسجم مع ثقافتنا، ونجد فيها الكثير من المستنكر والغريب والشاذ في الأفكار والتقاليد والعلاقات والأشكال والمظاهر، وهناك بيننا من يستوعب هذه الثقافات ويقلدها من أتباع الثقافة المسيطرة الغالبة التي تعمل على إنتاج هذه البرامج من مسلسلات وأفلام لا يكون إلا نتيجة انهزام حضاري وضعف وخور.
وزاد «من واجب كل المخلصين في مؤسسات المجتمع العمل على إبراز الجوانب الإيجابية في ثقافتنا وتضمين ذلك في برامج التنمية المجتمعية وفي الإنتاج الإعلامي المحلي والعمل على تحسين نوعية الإنتاج الإعلامي سواء المرئي منه أو المسموع و الابتعاد عن التقليد وتقديم البدائل لجمهور المتلقين».
ويؤكد «إن الإعلام أصبح المؤثر الرئيسي في ظهور تقليعات غريبة على مجتمعنا بعضها مقزز مثل الصبغات الغريبة للشعر والقصات والتي يزيدها غرابة أن الشباب هم من ينافسون الفتيات فيها إضافة إلى موضة البنطال الساقط تحت الخصر ومؤخرا حلق الأشناب وإطالة الذقون والسوالف بطريقة غريبة تثبت تأثر الجيل بالمعروض الإعلامي وغياب الدور الرقابي تماما».
كان يحمل رمزية الرجولة ... فأصبح تحت رحمة «أمواس» الحلاقين
«الشارب» يختفي من وجوه الشباب تحت وطأة «النيو لوك»
27 يناير 2009 - 19:50
|
آخر تحديث 27 يناير 2009 - 19:50
تابع قناة عكاظ على الواتساب
عيد الحارثي-جدة