كثيرة هي الاحداث التاريخية التي شهدتها جزيرة العرب ومازال يلفها الغموض ويثار الخلاف حول تفاصيلها ومواقعها سواء على مستوى المؤرخين أو العامة ولاشك ان هذا الغموض يستوجب من الباحث الكثير من البحث والتدقيق للخروج بما يشبع نهم المتابع المتلهف لمعرفة تفاصيل مهمة لأحداث تاريخية وقعت لأسلافه.
وحرب البسوس تلك الحرب الطاحنة التي وقعت بين أبناء وائل ـ قبيلتي بكر وتغلب ـ واستمرت لأربعين عاما بسبب ناقة من الأحداث التاريخية التي مازال يلف بعض احداثها الغموض وبالرغم من ان أغلب المصادر التاريخية تتفق على الكثير من تفاصيل هذه الحرب وتفصل أحداثها.. إلا ان ثمة بعض الأحداث والتفاصيل لهذه الحرب ما تزال محل جدل كبير بين أوساط المجتمعات والباحثين، خاصة حول الموقع الذي كانت تسكنه القبيلتان قبل انطلاق شرارة الحرب بينهما، وأين يوجد الموقع الذي قتل فيه كليب بن ربيعة وأين موقع قبره؟
بداية تجب الإشارة الى ان اغلب المصادر التاريخية تتفق على ان حرب البسوس التي وقعت بين قبيلتي بكر وتغلب اثارتها امرأة تدعى البسوس وذلك حينما قتل كليب بن ربيعة التغلبي ناقتها، وكليب هو وائـل بن ربيعة بن الحارث بن مرة بن هبيرة التغلبي الوائلي بني جشم، من تغلب (ولد سنه 440 م) ، نشأ في حجر أبيه، ودرب على الحرب وأصبح من أبطال العرب في الجاهلية. ثم تولى رئاسة الجيش في قبيلتي بكر وتغلب وهو زوج الشاعرة الجليـلة بنت مرة أخت قاتله ابن عمه جساس بن مرة البكري
وكليب كان قد عز وساد في ربيعة فبغى بغياً شديداً، وكان هو الذي ينزلهم منازلهم ويرحلهم، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره. وكان يفعل هذا بحياض الماء، فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من أذن بحرب، فضرب به المثل في العز، فقيل: أعز من كليب وائل. وكان يحمي الصيد، ويقول: صيد ناحية كذا وكذا في جواري، فلا يصيد أحد منه شيئاً، وكان لا يمر بين يديه أحد إذا جلس، ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره.
كما تتفق المصادر على تاريخ مقتل كليب غدرا على يد ابن عمه جساس بن مرة حيث تشير أغلبها أنه في (سنه 494 م) وكان عمره أربعا وخمسين سنة ولما علم الزير سالم شقيق كليب ثار وطالب بثأر أخيه، والزير سالم هو عدي بن ربيعة بن الحارث بن مرة بن هبيرة التغلبي الوائلي بني جشم، من تغلب (توفي 94 ق.هـ/531 م). وهو شاعر عربي يكنى بالمهلهل ومن أبطال العرب في الجاهلية ، وكان من أصبح الناس وجهاً ومن أفصحهم لساناً. ويقال أنه أول من قال الشعر، عكف في صباه على اللهو والتشبيب بالنساء، فسمي (زير النساء) أي جليسهن. وهو جد الشاعر عمرو بن كلثوم، وعندما طلب ثأر اخيه انقطع عن الشراب واللهو إلى أن يثأر لأخيه، فكانت وقائع بكر وتغلب (حرب البسوس)، التي دامت أربعين سنة، وكانت للمهلهل فيها العجائب.
كما تتفق المصادر ان من ابرز المعارك التي وقعت بين بكر وتغلب ((يوم النهى، ويوم الذنائب، ويوم واردات، ويوم عنزة، ويوم القصيبات، ويوم تحلاق اللمم، وجميعها أسماء مواضع تمت فيها الحروب، ماعدا تحلاق اللمم لأن بني بكر حلقوا فيه جميعاً رؤوسهم فسمي بذلك وتشير ان تغلب انتصرت في أربع حروب، وبكر في واحدة، وتكافأت القبيلتان في حرب واحدة.
الاختلاف على الديار والقبر
ورغم هذا الاتفاق بين المصادر التاريخية والتعمق في اغلب التفاصيل.. إلا أنها أغفلت ولم تؤكد أجزاء مهمة من تفاصيل هذه الحرب واكتفت بإشارات ضعيفة لا تقطع الشك باليقين عن بعض الاحداث والتفاصيل والتي أهمها.. أين كانت ديار بكر وتغلب عندما قتل جساس بن مرة كليبا سيد تغلب؟ وفي أي موقع قتل كليب؟ وفي أي موقع تحديدا يوجد قبر كليب؟
هذا الاختلاف وإغفال تحديد هذه المواقع بشكل دقيق فتح الباب على مصراعيه للتكهنات والاجتهادات وأوجد اختلافا واسعا بين المهتمين بتفاصيل هذه الحرب وجعل هذه الحرب والقبر حائرين بين نجد وتهامة. فبعض أهل نجد يرون أن القبيلتين كانتا تسكنان في عالية نجد عندما قتل جساس كليباً وانطلقت شرارة الحرب من هناك تحديدا بجوار "جبل خزاز" التابع لمنطقة القصيم وأن قبر كليب سيد تغلب مازال موجودا هناك.. فيما يرى البعض من أهل تهامة ان "بكر وتغلب" عند مقتل كليب كانتا تسكنان جنوب شرق تهامة تحديدا في "وادي الخيطان" الواقع بين الباحة والقنفذة وان قبر كليب مازال هناك.. فيما يرى الجزء الآخر من أهل تهامة ان "بكر وتغلب" كانتا تسكنان في "وادي الدحن" المسمى ((بوادي كليب )) بمنطقة جازان على الحدود السعودية اليمنية، حيث لا زال هذا الوادي يطلق عليه "وادي كليب" وان القبر في هذا الوادي....ولكل من أهالي نجد وتهامة مصادر ودلائل وشواهد يحاولون بها إثبات ما ذهبوا إليه...فأين الحقيقة!!؟؟