-A +A
سلطان بن بندر (الرياض) SultanBinBandar@
لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، لكنه عرف جيداً كيف يصنع ملعقة الذهب الخاصة به، ذات الملعقة التي حرّك بها كل المجالات الاستثمارية، والصفقات التجارية، فلازمت النجاح في الكثير من المرات، بعد العديد من صفقات الفشل والخسارة، حتى تمكن محمد غانم الساير من أن يكون مثالاً لرجل الأعمال السعودي الناجح قبل أن يصل عمره إلى منتصف الأربعينات. ويخفي اتسام محمد السائر بالهدوء، عواصف التحدي ورغبة النصر الجامحة في داخله، والتي يعكسها مدى شغفه وتعلقه بـ«الطيران الحربي» الأمنية الوحيدة التي كان من حسن حظه أن الحظ لم يقف إلى جواره فيها، ليتفرغ بعد ذلك إلى صناعة نفسه «الصفقة الأكثر ربحاً» في حياته، والتي مكنته من أن يكون رائد أعمال عصامياً بسيرة تستحق أن تروى.

كانت أولى صفقات محمد الساير التجارية في طفولته، بعمر لم يتجاوز الـ15 عاماً، والتي كان لها الفضل الكبير فيما هو عليه الآن، بعد أن تعلّم منها ضرورة توثيق كل عمل قبل البدء فيه، عقب مشاركته خاله في بيع التمور المحصودة من مزارع العائلة، بعد تمكنه من إقناع العديد من الزبائن من شراء الحصة الأكبر من التمور بأسلوب تسويقي خاص به، ليفاجأ بعد ذلك بأن نصيبه من العمل طوال يوم كامل «وجبة إفطار» فقط، الأمر الذي دفعه بعد ذلك حتى الآن إلى توثيق كل شيء قبل البدء بأي عمل.


الوظيفة الأولى.. مفتاح الصيف

بعد أن أتم الساير أعوامه الـ16 رغب كثيراً في الاعتماد على نفسه، وإثبات قدراته للجميع، ما دفعه إلى البحث عن وظيفة صيفية تشكل مصدر رزق يغنيه عن مشاركة خاله في بيع التمور، ما دفعه إلى العمل في شركة للمقاولات لشهر ونصف ليتمكن من الحصول على دخل يؤمّن له الراحة والاستغناء عن العمل الصيفي والكسب من المزرعة، بدخل أعلى من أقرانه العاملين في الصيف في بيع التمور.

لم تكن سنوات طفولة محمد الساير بعيدة عن الأرقام، بعد أن بدأت علاقته مع القوائم المالية مبكراً، اتضحت ملامحها من متابعته للقوائم المالية الخاصة بميزانية الشركات في الصحف المحلية الصادرة ذلك الحين، متتبعاً الأرباح والخسائر، لتشكل منذ ذلك الوقت اللبنة الأولى لرحلته في عالم الاستثمار قبل أن يبدأ بها فعلياً.

حلم الطيران

طوال أيام دراسته في المرحلة الثانوية، كان محمد الساير يرى نفسه بين الغيوم، طياراً حربياً سعودياً، الأمر الذي دفعه إلى التقديم على كلية الدفاع الجوي السعودي، ليجتاز جميع المراحل، قبل أن يقف الحظ حجر عثرة في طريقه، ليتم استبعاد اسمه من القائمة النهائية للمقبولين بشكل نهائي، ليبدأ بعد ذلك في البحث عن مكان يمكنه من التحليق وتحقيق الانتصارات ولكن دون طائرة!

تكوين الشخصية الأولى

كان لا بد لمحمد الساير أن يبحث عن شيء يحدد مستقبله العملي والعلمي، ما دفعه إلى السفر للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، لنيل شهادة البكالوريوس في المحاسبة، قبل أن تحول نصيحة أحد أصدقائه هناك من تخصصه الجامعي من المحاسبة إلى الإدارة المالية، التخصص الذي وجد فيه الساير نفسه، بعد أن منحه مساحة من الإبداع والنجاح، حتى أن الساير تطرف فيه حبه له بوصفه «الإدارة المالية» بـ «الفن».

وعلى ذات الطريقة في السعودية، واصل الساير ممارسة العمل والتعليم، داخل جامعته بدءاً من العمل داخل صالة متكاملة للتداول في الجامعة بشكل مباشر، كان يحصل خلالها على 8.5 دولار في الساعة، مكّنته من الحصول على شهادة متخصص في الاستثمار وخيارات التداول من بلومبيرغ.

أصعب لحظات حياته

«كانت أصعب لحظة في حياتي»، يصف محمد الساير وقوفه أمام مجلس أمناء ولاية أوهايو لمراجعة منجزاته وفريقه المكون من 5 أمريكيين وصينيين، بعد إدارتهم لصندوق أوقاف الولاية في سوق الأسهم.

وعلى الرغم من تحقيق محمد والذين معه مكاسب جاوزت الـ34%، إلا أن يديه كانتا تتصببان عرقاً في ديسمبر كونه أول سعودي يدير صندوق الولاية.

العودة للوطن.. الوظيفة الأولى

متسلحاً بشهادتي الماجستير من جامعتي «لندن بزنس سكول» و«هارفرد»، لم يواجه الساير صعوبة في الحصول على عمل، فوجد الساير سريعاً نفسه يعمل في أحد البنوك السعودية بدخل شهري يصل إلى 75 ألف ريال، ما دفعه إلى استثمار 70 ألف ريال شهرياً في سوق الأسهم.

لم يستمر الساير موظفاً سوى 9 أشهر، ليقرر بعدها تأسيس شركة برفقه عدد من المستثمرين، تهتم في المقام الأول بنفض الغبار عن الجواهر الموجودة على الأرفف، وتنسيق مصلحة المستثمرين مع مصلحة المديرين، تمكنت خلال 7 أعوام من الاستحواذ على 34 شركة وفرصة استثمارية داخل السعودية وخارجها.

جائزة الملك سلمان.. جوهرة التاج

على الرغم من تحقيق محمد الساير العديد من النجاحات المالية والاقتصادية طوال أعوام عمله في مجال المال والأعمال وحتى الآن، إضافة إلى مكاسب مالية كبرى صنع بها الشاب السعودي نفسه، إلا أنه يرى أن أكبر منجز له طوال حياته هو حصوله على جائزة الملك سلمان لشباب الأعمال في العام 2012، واصفاً إياها بالمنجز الذي سيفخر بروايته لأبنائه.

رجل الأعمال عابر للحدود

إضافة إلى رئاسته للجنة الأوراق المالية والاستثمار في الغرفة التجارية بالرياض وعضوية مجالس إدارة الكثير من الشركات السعودية، تحمل السيرة الذاتية لمحمد الساير الكثير من التجارب العملية التجارية، والتي تمكّن من الحصول عليها بعد تأسيسه للعديد من الشركات السعودية في الخارج والتي اتخذت من نيويورك، لندن ودبي مقاراً لها، تمكن التاجر السعودي من خلالها من تمثيل وطنه، وصولاً إلى عضوية المجلس الاستشاري في بنك سنغافورة.

البحث مستمر

لم يمل محمد الساير من التحليق عالياً بنجاحاته التجارية، إلا أن 7 أعوام من العمل المتواصل ليلاً نهاراً، دفعته إلى أخد استراحة محارب، مكتفياً بإدارة شركته القابضة في الرياض، والابتعاد عن مطبخ العمل الاستثماري اليومي، ليواصل هذه الأثناء صناعة «العديد من المطابخ» حسب وصفه، ليرى الساير في الصفقة فكرة جديدة، ويهوى إصلاح ما لا يحسن الآخرون إدارته.

تحقيق الأحلام

يحلم الساير في هذه الأيام بترك أثر أكبر في حياته من خلال إنشاء جمعية خيرية لرعاية الأيتام ملاصقة لمنزله، إضافة إلى تفكيره الجدي بالتدريس في إحدى الجامعات السعودية «مجاناً» شكراً وامتناناً للأرض وللوطن، بعد أن منحه التعليم الجيد والحياة الكريمة التي ساعدته في تحقيق نصف النجاح الذي يحلم به، تاركاً تحقيق بقية الأحلام إلى الـ5 أعوام المقبلة، قبل أن يتفرغ لرسم ابتسامة على شفاه الآخرين توصله إلى أقصى درجات السعادة، ومساعدة الناس للعيش الكريم بالعلم والتعليم.